أَلْشَرْق الْأَوْسَطْ أَلْجَدِيدْ مِنْ ( سَايْكس بِيكُو إِلى دُونَالْد تْرَامْب ) بقلم أ . د . أَبْولَهِيبْ


أَلْشَرْق الْأَوْسَطْ أَلْجَدِيدْ مِنْ ( سَايْكس بِيكُو إِلى دُونَالْد تْرَامْب )

أ . د . أَبْولَهِيبْ      
                                                                           
حظي الشرق الأوسط باهتمام كبير في السياستين الغربية والأميركية على حدٍ سواء، منذ بداية القرن العشرين والحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو، وبداية الاستعمار الأوربي المتمثل في الاستعمار البريطاني ــــ الفرنسي في المنطقة العربية، وبعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين المعسكرين الاميركي ــ السوفيتي، واحتدام الصراع بين المعسكرين على منطقة الشرق الأوسط والبدء بسياسة الاحلاف والاحلاف المضادة بين المعسكرين، وبداية التدخلات المباشرة في المنطقة، والشرق الأوسط الذي عد ساحة نزال ومنافسة بين القوى المتصارعة، وحتى نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة في النظام الدولي وتسيدها العالمي، وإطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد من قبل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وبداية التفكير لمشروع القرن الاميركي، حظي الشرق الأوسط أهمية كبيرة في التفكير السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية، وبدأت مراكز الأبحاث الأميركية بتقديم الدراسات والخطط لاطلاق مشروع الشرق الأوسط , وبدأت الإدارة الأميركية التفكير بجدية وعزم في إصلاح الأنظمة السياسية الديكتاتورية في المنطقة، والداعمة للإرهاب وتحديث المنطقة ودمقرطتها وفق الرؤية الأميركية وبما يتناسب مع المصالح السياسية والامنية للولايات المتحدة وإسرائيل، ولذلك اطلقت الادارة الأميركية مشروع الشرق الأوسط الجديد ومبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية وتحديث المجتمعات والأنظمة السياسية للمنطقة؛ لإبعاد شرور الإسلاميين الراديكاليين، مستنداً لتقريري الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية ، ليدخل ذلك المشروع حيز التنفيذ بعد الحرب على افغانستان والعراق . لذلك تشكل منطقة الشرق الاوسط أَهمية كبيرة مِنْ حيث موقعها ألجيوسياسي والاستراتيجي فضلاً عَنْ أهميتها النفطية  ونتيجة لتلك الاهمية كان هناك إِهتمام مبكر فى منطقة الشرق الاوسط وصراع بين القوى الغربية مِنْ أَجل السيطرة على تلك المنطقة . وفى هذه المرحلة تسعي الولايات المتحدة الاميركية استغلال المتغيرات الدولية ، لِإِستثمار هذه الفرصة من أجل تكريس هيمنتها الدولية وتعزيز نفوذها فى المنطقة ، ولعل فى هذين الهدفين علاقة محكمة فى الادراك السياسي الاميركي ، حول ذلك يقول جان بيرشنفنمان وزير الدفاع الفرنسي خلال حرب الخليج الثانية : ( لقد إستغلت الولايات المتحدة إِنهيار الاتحاد السوفيتي وأصبحت ألسيدة ألوحيدة لمنطقة ألشرق الاوسط ) . لذلك أَدى إِنتهاء ألحرب الباردة إِلى حدوث إِنقلاب فى     ميزان الاستراتيجي العالمي بحيث أصبحت الولايات المتحدة الاميركية القوى العظمى الوحيد فى العالم ، إِلا أن هذا التحول لَمْ يؤثر على هياكل النظام الدولي أو مؤسساته بل أصبحت الولايات المتحدة ألاميركية صاحبة ألقوة وألنفوذ والتأثير ألقوى على الاطلاق فى الساحة الدولية ، ليأتي ذلك فى مقدمة ألمتغيرات الدولية ألمؤثرة على العمل العربي المشترك ، وطرحت نهاية الحرب الباردة مع زوال الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج ضد غزو العراق للكويت ، وانتصار الولايات المتحدة على المنظومة السوفيتية دون حرب ، فرصاً عديداً للمضي قدماً فى تطبيق مشروعها المتجددة للشرق الاوسط الجديد ، أما الشيء الذي جاء فى أعقاب إِنتهاء الحرب الباردة وإِنهيار الاتحاد السوفيتي ، فقد أتاح للاميركيين قدرة على التاثير وحرية فى التحرك بشكل غير مسبوق ، وانتصارهم فى تحرير الكويت ، وانتشارهم العسكرى الطويل الامد بَرَّاً و بَحْرَاً فى شبه الجزيرة العربية ، وقيادة الجهود الدبلوماسية بهدف ايجاد حل شامل للنزاع العربي الاسرائيلي ، الذي برز فيه العراق كنظام معادي لكنه ضعيف ، وايران كدولة اصولية لكنها مقسمة وضعيفة نسبياً ، واسرائيل الدولة النووية الوحيدة فى المنطقة كأقوى لاعب اقليمي فى وقت شهدت فيه تلك المرحلة العديد من المظاهر ، ابرزها التقلبات فى اسعار النفط ، واستمرار وجود أنظمة عربية قمعية وصعوبة التعايش بين اسرائيل والفلسطينيين وبقية العرب فى ظل التفوق الاميركي .    
              
إِستناداً إِلى ما ذكرناه سابقاً أَدرك ألغرب منذ زمن بعيد أَنَّ الموقع الجغرافي الذي يتمتع به العالم العربي ، وَوَفْرَةْ إمكاناته الاقتصادية الهائلة وثرواته النفطية وَوَزنه الحضاري وَوُجود الاسلام فيه كطاقة روحية ، يشكل خطراً على مصالحه ويحد من اطماعه لذلك بذل جهوداً كبيراً لتحجيم العالم العربي واحتواء أقطاره وأبقاء عناصره التجزئة فيه والعمل على تفتيته وجعله هدفاً مستمراً لِمُخَطاطاتهِ .  
                                                              
لذا يعد موضوع الامن القومي العربي واحداً مِنْ أخطر التحديات التي تواجهها دول منطقة الشرق الاوسط فى إطار المتغير الجيو سياسي الكبير الناتج عن الاحتلال ألأنجلو ألأمريكي للعراق ، واتخاذه المنطقة مركزاً لإِعادة بناءها وعولمتها وتنظيمها خلال عشر سنوات ، فى شراكة أميركية ، شرق أوسطية إقتصادية وسياسية وثقافية ، تشكل فى حقيقتها جزءاً من عملية إِعادة بناء ألنظام الدولي برمته ، وعولمته فى نظام عالمي جديد .  
              
 وهكذا فإِنَّ الشرق الاوسط يشكل المجال الذي تلتقي فيه قارات أوربا وأفريقيا وآسيا ، ويضم البحار كل من البحرالابيض المتوسط و البحر الاحمر والبحرالاسود ، الى جانب بحر العرب وبحر قزوين والخليج العربي والمحيط الهندي ، كما يتحكم بأهم المضايق فى العالم ، مثل مضيق هرمز و مضيق باب المندب و قناة السويس ومضيق البسفور و مضيق الدردنيل ، وتروي أراضيه أَنهاراً مهمة كدجلة والفرات والنيل والاردن ، وهو موطن الحضارات القديمة ومهد الاديان السماوية ويضم فوق ذلك كله أكبر ثروة نفطية فى العالم . إِنَّ كل تلك العوامل جعلت من منطقة الشرق الاوسط مجالاً إستراتيجياً حيوياً للقوى الصناعية الرأسمالية فى الغرب ، لِأنه يؤمَنْ فى السلم والحرب ، تدفق النفط والاستثمارات والمواد الاولية ، الى جانب الممرات المائية والبحار والقواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية والمخازن الاستراتيجية التي تقوم بدور مهم فى تعزيز الامكانات اللوجستية وتوسيع القدرة للسيطرة على العالم . وهذا ماجعل الولايات المتحدة الاميركية تربط أَمنها القومي بأَمن الشرق الاوسط الذي يمس مصالحها القومية ، ويشكل الدعامة الحيوية فى سياستها الكونية إلى جانب أوربا .                             
                                   
لذلك أدت هذه العوامل مجتمعة إِلى تخليق فراغ استراتيجي ، مرفوق بعطالة القدرة العربية فى ساحة الصراع العربي – الاسرائيلي ، وبروز المصداقية الاميركية فى الدفاع عن مصالحها وحماية إِسرائيل . ومن هنا سهل على القوى الفاعلة فى المنطقة ، وبخاصة الولايات المتحدة الاميركية بسيطرتها على المنطقة ، واسرائيل بقوتها العسكرية المتفوقة واستمرار احتلالها للاراضي العربية ، ان تتحرك لتملأ الفراغ الاستراتيجي ببديل إِقليمي كانت القوى الغربية طرحته منذ الخمسينات حتى التسعينات مرات عدة وبأشكال ومكونات مختلفة . وفشلت فى ترويجه ، حتى إذا توافرت لها الظروف المناسبة ، أخرجته فى التسعينات فى مشروع الشرق الاوسطية ، وأوكلت إِلى قوى إِقليمية مهمة الدعوة إِليه وتكوينه .     
                                                                                      
ولقد رافق الدعوة غِلى المشروع ظاهرتين :    
                                                
الظاهرة الاولى ، ظاهرة العداء للعروبة فى بعض أنحاء العالم العربي ، وانطفاء الحماسة لها أو ارتباط بها فى أنحاء أخرى ، وإقبال معظم الدول العربية على التحلل من آخر التزام قومي من خلال تسوية الصراع العربي – الإِسرائيلي ولإِقامة علاقات طبيعية بإِسرائيل ، ومن خلال توهين الارتباط بالمؤسسات القومية .           
                                     
والظاهرة الثانية تحول الامن القومي العربي إلى دائرة مقطعة الاوصال وفارغة مَنْ القدرات الفاعلة تعصف فيها النزاعات والصدامات المسلحة بمختلف أشكالها وانواعها . ولا يستدعي الامن القومي الآن إِلَّا مِنْ أجل التذكير بالهزائم التي تحل بِهِ ، والمخاطر التي تهدده . فى هذه البيئة التي يكون الفراغ الاستراتيجي فى منطقة الشرق الاوسط قوامها ، كان من الطبيعي ان تظهر المشاريع التي تقدم نفسها بديلاً للنظام الاقليمي العربي المتصدع وبنية الأمن القومي المنهارة . ويمكن القول إِنَّ ابرز المشاريع تمثل بمشروع النظام الشرق الاوسطي فى الوقت الراهن . وقد توافرت لهذا المشروع عوامل التخلق والتكون ، وظروف البيئة التي تحتضنه وتقيم أُسسه وهياكله .   
                                         
وفي حين اجتمعت قوتان رئيسيتان لطرح المشروع والدعوة اليه ، وهما الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل ، لم يجد مشروع بحرالأبيض المتوسط ولا إِعلان دمشق ، ما يدعمهما من القوى للمنافسة والغلبة . وبذلك يمكن القول إِنَّ مشروع النظام الشرق الاوسطي ، فى إِطار العوامل والظروف الراهنة هو المشروع الذي سيبذل الدعاة إِليه كل جهودهم مِنْ أجل إِنجاحها .   
                                                                                       
بعد كل ما ذكرناه سابقاً إِنَّ ردة الفعل العربية من المشروع الشرق أوسطي الجديد ، لم تكن بمستوى التحدي الخارجي المذكور ، وما كان للولايات المتحدة الاميركية ان تطرح المشروع لولا ضعف وهشاشة النظام الرسمي العربي واهتراؤه من الداخل فضلاً عن تشرذمه وغياب الدولة العربية كمؤسسة ، وتغيب المواطن وهدر الإمكانيات ومصادرة دَوْر المجتمعات .         
                                                                               
وفى هذا الوضع العربي المتردي تم طرح المشروع الاميركي للشرق الاوسط الجديد ، حيث يعاني النظام العربي مِنْ أَزمات بنيوية مستعصية فى مستويات السياسية والاقتصادية والتطوير والتحديث ، هذا مع العلم أن الوطن العربي يساهم بنحو 30 % مِنْ إنتاج النفط العالمي ، ويحتوي على ثلثي إحتياطي النفط فى العالم .   
                                     
بعد تحليلة لخلفيات المشـروع الشرق الاوسـط الجـديد وماهـيته وتـداعياته المختلفة نسـتنتج    ما يلي :     
                                                                                  
*- بقاء المنطقة العربية فى المدى المنظور ساحة مفتوحة للتجاذبات والتنافسات والمشروعات الدولية الرامية لِإِبقائها فى مجال السيطرة الدولية .   
                    
*- احتدام الصراع على الشرق الاوسط فى المرحلة القادمة ، وظهور ضغوطات مِنْ أنواع مختلفة سياسية وإقتصادية .     
                                                             
*- يبدو ان النظام العربي الرسمي السائد بات على الاغلب عرضة للتآكل بسبب عدم قدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية .     
                                           
*- وقوف المنطقة العربية على الارجح فى مرحلة انتقالية بين أُفول النظام السياسي القديم وتوليد نظام جديد .     
                                                                     
وتعتبر ما ذكرناه سابقاً بمثابة تحديات تواجه المنطقة العربية ، وتبعاً لذلك على العرب أَن يتجاوزوا نقاط ضعفهم وجمود أوضاعهم ومقاومة التخلف السائد فى ميادين مختلفة ، وإِلاَّ فسيدفعون نتيجة التردد والحيرة والضياع والخضوع نهاية المطاف لحقبة جديدة مِنْ الوصاية الدولية .      
                                                                         
وبطبيعة الحال فإنَّ الادارة السياسية الصادقة والادارة الواعية إذا توفرت لدى العرب يمكن مِنْ خلالها تجاوز ومواجهة كافة التحديات التي تعصف بالمنطقة العربية ، لكن توسيع المشاركة فى اتخاذ القرار والمواجهة هما مِنْ أهم المقدمات التي تؤسس لقدرات عربية إقتصادية ومجتمعية مِنْ شأنها أَن تضع العرب فى موقع هام فى إِطار العلاقات الدولية بشقيها السياسي والاقتصادي .                                                                    

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي