قصتي مع جبل كورك شمال العراق.. يوم كان للعراق سيادة فوق أرضه وسماءه وجباله.. بقلم : مازن محمد بشير

 قصتي مع جبل كورك شمال العراق.. يوم كان للعراق سيادة فوق أرضه وسماءه وجباله..

بقلم : مازن محمد بشير

في 1978 طلبت مني البروفيسورة الراحلة مي عارف قفطان، مديرة مشروع المرصد الفلكي العراقي، مرافقتهم في أول زيارة تفقدية لقمة جبل كورك (المطل على گلي علي بك وراوندوز) بعد أن تقرر إجراء تقييم شامل لصلاحيته للرصد الفلكي.

كانت العطلة الربيعية في سنتي الأخيرة في جامعة بغداد، لم اتردد لحظة للموافقة على هذا الطلب، وبالفعل تم تنسيبي كعامل في وحدة المرصد الفلكي وانطلقنا نحو شمال العراق الحبيب وعيوننا شاخصة نحو قمة الجبل المغطاة بالثلج، والتي كانت ترتفع 2160م فوق سطح البحر .

لم يكن في مخيلتي ان الطريق المعبد كان يصل لمنتصف الجبل فقط.. فكان علينا أن نصارع الثلوج الكثيفة لساعتين مشيا على الأقدام قبل الوصول للقمة، وكان يرافقنا عدد من جنود الجيش العراقي وعدد من الموظفين والعمال الأكراد الرائعين.

في هذه الرحلة الشاقة كان معنا البروفيسورة مي عارف قفطان نفسها، وكذلك البروفيسور الأمريكي (ميرل اف ووكر) الخبير في فحص جودة المواقع الجبلية للرصد الفلكي.. ورغم ان العلاقات كانت مقطوعة مع أمريكا الا ان مي عارف قفطان تمكنت من دعوة الخبراء من كافة أرجاء العالم ليتعاونوا معنا في مشروع المرصد.

فوق قمة جبل كورك كانت هناك ربايا للجنود، وقد استضافونا تلك الليلة على وجبة العشاء (راشي ودبس وخبز وجاي) وجدناها الذ وجبة طعام في البرد القارس، وكانوا في غاية الفرح بوجودنا معهم. كان معي زميلي المهندس الرائع وليد الضاحي والذي جعل من الرحلة تجربة ممتعة للغاية بروح الفكاهة التي يتحلى بها .

خصصوا لنا موضعا عسكريا فيه سريرين في أعلى القمة، استسلمنا لنوم عميق لم يعكره سوى قطرات الماء التي بدأت تخر علينا من سقف الموضع بعد أن اذابت أشعة الشمس الثلوج المتراكمة فوقه. ناديت وليد قم كي لاتفوتنا صلاة الفجر، فضحك قائلا.. يا فجر يمعود اذن الظهر.

اصطحبت معي تلسكوبا صغيرا، وكان اول تلسكوب او لعله التلسكوب الوحيد الذي تمكن من رصد السماء من قمة جبل كورك. كان أجمل اسبوع في حياتي قضيته وسط الثلوج وبين الجنود، ومتجمدا في الليل ارصد السماء الرائعة..

ولما انتهت مدتي وقبل ان انزل من الجبل، كلفتني مي عارف قفطان تكليفا جميلا للغاية، وهو ان ارافق الخبير الأمريكي ميرل ووكر في جولة لزيارة مناطق أثرية قريبا من الموصل

بعد ذلك التاريخ بسبع سنوات، تحديدا في 1985 وقبيل الانتهاء من المشروع، تعرضت قبة المرصد وغرفة التحكم إلى صواريخ اطلقتها طائرة مقاتلة.. انسحبت على أثر تلك الحادثة الشركات المنفذة، وانتهى إلى الأبد واحد من أعظم المشاريع التي كاد العراق ان يتفرد فيها على مستوى العالم.

قبل عامين قلبت صور الماضي الجميل وشعرت ان مهمتي لم تكتمل بعد.. فقد صعدت الجبل لتأسيس مرصد فلكي لكنني نزلت قبل أن يكتمل.. لذا قررت في 2018 مراسلة جامعة أربيل من خلال وسطاء (معارف)، وعرضت عليهم أن نحيي مشروع المرصد من جديد فوق جبل كورك.. وقدمت لهم دراسة بذلك.

كان جوابهم صريحا وواضحا جدا.. قالوا لي انسى جبل كورك.. لايمكنك الآن الوصول إلى قمته بعد وضع فوقها مرسلات شبكة الاتصالات 

طبعا شكرت لهم صراحتهم التي وفرت علي كثيرا من الوقت والجهد .. وبكيت في الوقت ذاته وما يدريكم، لعل احدا يقرأ قصتي هذه بعد 40 عاما أخرى ويقرر ان يكمل المهمة التي بدأناها في شباط 1978.

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي