انفجار الصراعات والحروب بعد ٧ أكتوبر في الشرق الأوسط التحديات المستقبلية واحتمالات التفكك الإقليمي / أ.د غازي فيصل

  انفجار الصراعات والحروب بعد ٧ أكتوبر في الشرق الأوسط

التحديات المستقبلية واحتمالات التفكك الإقليمي

د. غازي فيصل حسين

أستاذ العلاقات الدولية والتنمية السياسية

شهد الشرق الأوسط منذ مطلع القرن الحادي والعشرين موجات متتالية من التوترات والانفجارات السياسية والأمنية، غير أن الأحداث التي أعقبت ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ مثّلت نقطة تحوّل استثنائية، ليس فقط على مستوى الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بل على مستوى التفاعلات الإقليمية برمتها. فقد فجّرت عملية "طوفان الأقصى" التي قادتها حركة حماس من قطاع غزة سلسلة من التطورات العسكرية والدبلوماسية غير المسبوقة، وأعادت خلط الأوراق في منطقة تعيش أصلاً على صفيح ساخن من الأزمات السياسية والطائفية والاقتصادية.

هذا البحث يسعى إلى تحليل ديناميات الانفجار الإقليمي بعد ٧ أكتوبر، من حيث السياقات التي أدت إليه،

والتفاعلات التي ترتبت عليه، والتحديات المستقبلية التي تفرض نفسها على صعيد الأمن والسيادة والهوية في الشرق الأوسط. كما يحاول تقديم قراءة استشرافية لاحتمالات التفكك الإقليمي في ظل غياب مشروع عربي موحَّد، وتصاعد التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ.



أولاً: السياق التاريخي والسياسي لانفجار ٧ أكتوبر

شهدت القضية الفلسطينية تحولات جذرية خلال العقدين الأخيرين، إذ تراجع مركزها في الأجندة الإقليمية والدولية، في مقابل صعود أجندات التطبيع وصفقات اقتصادية وأمنية قادتها الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية. غير أن هذا التهميش السياسي ترافق مع تصاعد عنف الاحتلال، واستمرار الحصار على غزة، وغياب أفق سياسي للحل، ما جعل الانفجار مسألة وقت.

من جهة أخرى، كان السياق الإقليمي يعاني من أزمات بنيوية: دول هشة كالعراق ولبنان، حروب طويلة الأمد في سوريا واليمن، وانقسامات طائفية ومذهبية، إلى جانب التدخلات الإيرانية والتركية في الشأن العربي، في ظل تراجع الدور العربي المركزي. هذا المشهد المعقد كان جاهزًا للانفجار، فجاءت عملية ٧ أكتوبر لتفجّر ليس فقط الجبهة الفلسطينية–الإسرائيلية، بل تفتح كل الجبهات النائمة أو المؤجلة.

ثانياً: التفاعلات الإقليمية والدولية بعد ٧ أكتوبر

أطلقت إسرائيل حملة عسكرية غير مسبوقة على غزة، تمثلت في قصف مكثف، وتجويع وحصار، وانهيار مؤسساتي كامل للقطاع، ما وصفته منظمات حقوقية بأنه قد يرقى إلى "إبادة جماعية". كما انقسمت التفاعلات العربية بين إدانات شكلية، ودعوات للتهدئة، مقابل ضغط شعبي واسع أعاد الزخم للقضية الفلسطينية، وأربك مشاريع التطبيع مع إسرائيل. طهران من جانبها دعمت حماس و"محور المقاومة" إعلاميًا وسياسيًا، دون دخول مباشر في الحرب، لكنها استخدمت الأزمة لتعزيز موقعها في المنطقة، ورفع سقف التفاوض مع الغرب.

كما قامت الولايات المتحدة الامريكية بدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا ولوجستيا، وشكلت حاملة ردع دولية في البحر المتوسط والبحر الأحمر بجانب القدرات العسكرية في الخليج العربي والشرق الأوسط حيث تنشر واشنطن ٤٥ قاعدة عسكرية و٥٠ ألف جندي، مع محاولات لضبط توسع الحرب إقليميًا. كما تميز التفاعل التركي والروسي والصيني: بطرح مواقف نقدية للاستراتيجية العسكرية الأميركية، والمطالبة بإيجاد حل سياسي يعيد لفلسطين حقها في إقامة دولة مستقلة وفق ميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الامن الدولي ٢٤٢ في إطار حق تقرير المصير لشعب فلسطين في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ثالثاً: مسارات النزاعات الموازية بعد ٧ أكتوبر

شهدت الجبهة اللبنانية والجنوب اللبناني تصعيدًا بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، دون انزلاق شامل للحرب، في ظل معادلات ردع متبادلة. كما انفتحت الجبهة اليمنية بدخول الحوثيون على خط الصراع من بوابة البحر الأحمر، مستهدفين السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل والغرب، وتفعيل جبهة مضيقي باب المندب والبحر العربي، مما دفع واشنطن لتشكيل تحالف دولي من بريطانيا وفرنسا لمواجهة الصواريخ الحوثية واستطاعت البحرية الامريكية شن هجوم واسع النطاق على المواقع الاستراتيجية في صنعاء استهدف مخازن الصواريخ ومقرات القيادة والسيطرة.

وفي نفس الوقت تصاعدت الهجمات الصاروخية والقصف الجوي الأميركية والإسرائيلية على مواقع للفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع الحرس الثوري الايراني والمجموعات المدعومة من إيران، وتكررت الضربات الجوية على البوكمال ودير الزور ودمشق وحمص وطرطوس. وللرد على هذه الهجمات صعّدت طهران من خطابها السياسي لكنها حافظت على مستوى محسوب من الردع العسكري عبر عمليات قصف صاروخي استهدفت تل أبيب ردا على اغتيال مجموعة من جنرالات الحرس الثوري في السفارة الإيرانية في دمشق، مع إشارات وتصريحات متضاربة بين العودة لاستئناف الاتفاق النووي أو التصعيد العسكري والقصف الصاروخي والاستمرار في دعم حلفاء إيران. على صعيد آخر، شهدت العديد من الدول العربية احتجاجات شعبية واسعة شاركت فيها منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات، أعادت ربط الشعوب بالقضية الفلسطينية، وكشفت عن عمق الفجوة السياسية بين الرأي العام والأنظمة السياسية العربية.

رابعاً: احتمالات التفكك الإقليمي في ضوء الازمات والحروب

تعاني بلدان الشرق الأوسط من التفكك الوظيفي والاجتماعي والاقتصادي بسبب الازمات السياسية والحروب الداخلية والإقليمية منها بصورة خاصة: سورية، لبنان، العراق، اليمن، ليبيا، التي تعاني من تآكل سلطتها المركزية، وصعود سلطات موازية، تتمثل بالدولة المليشيات المسلحة أي الدولة العميقة التي تهيمن على الدولة وتستحوذ على السلطات والنفوذ المالي والعسكري وتهدد الاستقرار والامن في إطار مشروع ولاية الفقيه الإيرانية التي تستهدف تفكيك الدول الوضعية ونشر واستنساخ نموذج ولاية الفقيه في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي.

إضافة لما تقدم، تتسع اشكال التدخلات الخارجية، السياسية والاقتصادية والعسكرية بعد ان تحولت منطقة الشرق الأوسط الى مسرح للعمليات العسكرية وأصبحت ساحة مفتوحة للقوى الكبرى والإقليمية، حيث تنتشر القواعد العسكرية الامريكية والروسية والإيرانية بجانب اتساع النفوذ التركي خصوصاً بعد تحرير دمشق من النظام الاستبدادي الفاشي والقمعي. كما أدت الهزيمة العسكرية لحماس في غزة وتدمير ٩٢٪ من الأبنية السكنية في غزة ونزوح ٨٥٪ من سكان غزة وضحايا يقدر عددهم بأكثر من ١٦٨ ألف من الأطفال والنساء والرجال منهم ٦٠ ألف قتيل بجانب هزيمة حزب الله اللبناني وتدمير البنية التحتية العسكرية وتصفية قيادات النخبة العسكرية مما اعطى لإسرائيل تفوقا عسكريا واستخباراتيا وتكنولوجيا وسيبرانيا كشف عن عمق الهجمات الامريكية والإسرائيلية على المفاعلات الإيرانية وتدمير مصانع ومخازن الصواريخ والطائرات المسيرة وتصفية قيادات الحرس الثوري والجيش وعلماء الطاقة الذرية مما يعزز ديناميات التفكك في الشرق الأوسط بدل التكامل.

وينعكس التفكك الوظيفي والأمني والاقتصادي لبلدان الشرق الأوسط بسبب الازمات والحروب التي عصفت بالمنطقة الى تعميق الانقسام الشعبي والسياسي في البلدان العربية مع غياب مشروع جامع عربي، وصعود الهويات الفرعية الطائفية والإثنية، مما يعمّق الانقسامات الأهلية ويمهد لصراعات وتناقضات مجتمعية تهدد الامن والاستقرار في بلدان الشرق الأوسط. ان هشاشة النظام العربي الرسمي المتمثل بعجز جامعة الدول العربية ومؤسسات التنسيق المشترك عن القيام بأي دور فاعل، والفشل في مجال تطبيق اتفاقية الدفاع المشترك واستراتيجية العمل الاقتصادي المشترك وغيرها من الاتفاقيات مما يفتح النقاش أمام اجراء إصلاحات جذرية بنيوية ووظيفية للجامعة لكي ترتقي الى مستوى التحديات المعاصرة التي تواجه العالم العربي، أو البحث عن أطر بديلة إقليمية قد تهدد الهوية الجامعة. ويبدو ان عواصف الحروب في الشرق الأوسط، قد تفرض تشكيل الجغرافيا المتحولة، عبر طرح مشاريع "الكيانات الصغرى" التي بدأت تطرح بجدية، سواء عبر اشكال من الحكم الذاتي، أو التقسيم الفيدرالي، أو المناطق الآمنة.

خامساً: الدروس المستفادة والمقترحات السياسية

إن فشل الحلول الأمنية المنفردة وعدم نجاح الردع العسكري في تحقيق التوازن في الشرق الأوسط مع عدم التوصل لحلول سياسية بناءة يعمّق الأزمات والصراعات البينية والإقليمية. وتبدو اليوم هشاشة الدولة الوطنية التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، في ضل استمرار غياب دولة المواطنة وحقوق الانسان والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات خصوصا بين الديني والسياسي، مما يؤدي إلى انكشاف وفراغ داخلي يفسح المجال أمام الميليشيات والتيارات المتطرفة لحركات الإسلام السياسي الشيعي والسني للانتشار والتدخل في الشؤون السياسية والأمنية للاستحواذ على السلطة بعد تفكيك مؤسسات الدولة كما في ليبيا وسورية واليمن والسودان ولبنان والعراق.

مقترحات:

1. إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة وحقوق الانسان والديمقراطية

2. بلورة مشروع عربي مستقل عن المحاور، وتبني استراتيجية للعمل العربي المشترك.

3. الاستثمار في الطاقات الشبابية، لبناء وعي علمي عقلاني بعيد عن الخرافات والشعوذة.

4. إطلاق آلية أمن إقليمي تعتمد الحوار، نحو ضمان الامن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

سادساً: الخاتمة والتوصيات

شكل ٧ أكتوبر لحظة انفجار إقليمي شامل، فجّر الأزمات المتراكمة، وأعاد تموضع القضية الفلسطينية كمركز للصراع، وكشف عن اختلالات النظامين العربي والدولي.

التوصيات:

1. تبنّي مشروع سياسي عربي جديد يجمع بين السيادة، الديمقراطية، والمصالحة مع الشعوب.

2. إعادة الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر في إطار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولة مستقلة ذات سيادة.

3. دعم التحول الديمقراطي في الدول الهشة، ووقف التدخلات الخارجية.

4. لا يمكن بناء مستقبل مستقر في المنطقة دون عدالة سياسية، وإنهاء الاحتلال، وشراكة حقيقية بين الدولة ومواطنيها.


قائمة المراجع

خليفة، جاسم. (2023). التحولات الإقليمية بعد الحرب في غزة. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

المركز الإقليمي للدراسات. (2025). مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط بعد الحروب الجديدة.

Al-Jazeera. (2024). Analysis: The shifting regional dynamics post-October 7. Retrieved from https://www.aljazeera.com

Brown, D., & Hamid, S. (2024). The Middle East in Flux: Conflict and State Collapse. Brookings Institution.

Smith, R. (2023). War, Resistance, and Geopolitics in the Middle East. Foreign Affairs.

United Nations. (2024). Report on the Humanitarian Situation in Gaza. UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs.

International Crisis Group. (2024). Avoiding Regional Conflagration in the Middle East.

Barzegar, K. (2024). Iran’s Strategic Calculations after Gaza. Middle East Policy, 31(2), 44-59.

Fisk, R. (2023). Chaos and Resistance: Dispatches from the Arab World. London: Independent Press.

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

الاذاعة الكردية صوت وتاريخ اسكت عام ٢٠٠٣ بقلم / سيروان بابان