العراق ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم....اصدار وزارة الثقافة والاعلام ...1998...الجزء الثالث
بمناسبة الذكرى التاسعة لإستشهاد الرئيس الخالد صدام حسين
ارسل من قبل
لجنة لبنان
العراق
ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم
--------------------------------
الفصل الثالث
حزب البعث العربي الاشتراكي
والنضال الوطني والقومي في العراق
تمهيد
لقد عاصر
قطر العراق البدايات لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان البعثيون في العراق
عن السباقين إلى الانتماء إلى الحزب، وتميزوا منذ البداية بالإيمان المبدئي بأهداف
البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية، وباندفاعهم وحماستهم للنضال على طريق تحقيق
أهداف الحزب، كما تميز تنظيم الحزب في العراق بالانضباط، فكان مثالاً ونموذجاً في
الالتزام الفكري، والانضباط التنظيمي، وأكثر تلمساً وإدراكاً لأهمية التغيير
الثوري في العراق، وأهمية ان يكون العراق متحرراً سياسياً واقتصادياً، لكي يلعب
دوره الطبيعي في الحياة العربية، وفي قضايا الأمة العربية.
ومنذ أواسط
عقد الخمسينيات تمكن ان يلعب دوراً متميزاً، إلى جانب القوى السياسة في العراق، ضد
حلف بغداد، يعمل من خلال جبهة الاتحاد الوطني لإسقاط الحكم الملكي، وتفجير ثورة
14تمون 1958. كما تصدى للانحرافات في مسار الثورة، تلك الانحرافات التي سهلت
للأعداء مهمة التآمر على دور العراق القومي وعلى التجربة الوحدوية الأولى في حياة العرب
في القرن العشرين، وحدة مصر وسوريا 1958ووقوع الانفصال 1961. وكان قرار التصدي
المباشر لمصدر الانحراف، عبد الكريم قاسم، يعني الالتزام المبدئي العالي للرفيق
القائد صدام حسين ورفاقه ووضع أنفسهم فداء للوطن والحزب.
لقد نجح
الحزب في التصدي للانحرافات، ومحاولات الشعوبيين لإبعاد العراق عن دوره القومي،
وعن دوره الوطني التحرري من ربقة الاستعمار. نجح الحزب لأنه أستقطب الجماهير التي
أمنت بالوحدة وبالاتجاه القومي التحرري الوحدوي، الجماهير التي أيدت الوحدة بين
سوريا ومصر، على الرغم من وجود التيار الشعوبي الذي وقف ضدها وضد الاتجاه القومي
الذي مثله الحزب.
لقد تمثل
نجاح الحزب في تفجير ثورة 14 رمضان (8شباط 1963)، لتكون في احد جوانبها رداً على
نكسة الانفصال 1991، وإعادة العراق إلى مكانه الطبيعي في حضن الأمة ليقوم بدوره
الوطني التحرري المستقل، ودوره القومي في المبادرة لتحقيق الوحدة الثلاثية بين
العراق وسوريا ومصر، لتكون البديل الموسع من الوحدة الثنائية.
ولذلك كله
تجمع أعداء الوحدة لكي ينالوا من الثورة الفتية، وتأمروا عليها، كما تأمروا على
الوحدة من قبل، فكانت ردة 18 تسرين الثاني 1993.
لقد كان في
مقدمة الأسباب التي قادت إلى الردة التشرينية، أن ثورة 8شباط افتقرت إلى القيادة
الحقيقية والمستوعبة والمبصرة للمعطيات الضرورية وتنفياً برنامجها الوطني والقومي،
في حين ان ثورة 17-30تموز، بدأت بقيادة واعية مقتدرة، استطاعت ان ترسي دعائم قوية
ثابتة لسلطة الثروة، وتدفع عنها أذى الأعداء والحاقدين المتربصين بها. وقد قوم
المؤتمر القومي الثامن للحزب 1995تجربة سلطة الحزب في العراق، وحدد الأسباب
الداخلية والخارجية لغسلها التي فتحت المجال أمام المرتدين لتنفيذ مؤامراتهم وضرب
الثورة الفتية، وإرجاع العراق إلى حالة الاصطراع الدموي، والحكم الديكتاتوري الطائفي.
وعلى الرغم
من عنف سلطة الردة والإرهاب الذي مارسته ضد مناضلي الحزب فإن الرفيق صدام حسين
تصدى للردة منذ اليوم التالي لها، وتمكن من إعادة تنظيم الحزب، والحفاظ على شرعيته
ووحدته، وقد وقف الرفيق صدام حسين كالسيف متسلحاً بمبادئ البعث وبأخلاقه العربية
الأصيلة ليحافظ على بقاء الحزب وشرعيته وسط أجواء الزيف والمزايدات، وبعد اهتزاز
قناعات بعضهم بأي قيادة. لقد اضطلع الرفيق صدام حسين بقيادة الحزب الفعلية في
القطاعين المدني والعسكري، وهيأ الظروف داخل الحزب، وأمن المستلزمات المادية
للقيام بثورة 17-30تموز.
وهكذا انتصرت
مسيرة الحزب على ردتي تشرين الثاني في العراق وشباط في سوريا، وتوج نضاله بإسقاط
السلطة العارفية، ومن ثم تصفية محاولة الالتفاف على الثورة في الثلاثين من تموز
1968. وفي ذلك اليوم حسم الرفيق صدام حسين التناقض الذي أملته ظروف استثنائية وقعت
ليلة قيام الثورة في 17تموز. وأعاد للثورة وجهها الحقيقي وطمأن البعثيين على سلامة
ثورتهم وصحة نهجها الثوري التقدمي.
أولاً:
ثورة 17-30 تموز ضرورة تاريخية
راهن أعداء
الأمة العربية وأعداء البعث على ان الثورة الجديدة (الثورة البيضاء) لا تستطيع ان
تقاوم الأزمات التي يمكن ان يثيروها، أو تحل المشكلات السياسية والاجتماعية التي
يعيشها الشعب العراقي، نتيجة الظروف الاستثنائية التي مرت به في العقدين اللذين
سبقا الثورة. ولكن الأعداء فوجئوا بإرادة الثوار وعزيمتهم الصلبة. عندما استطاعوا
نزع أول فتيل كان مقدراً له ان يفجرها من الداخل، وان ينهوا زمرة عبد الرزاق
النايف في الثلاثين من تموز.
واشر ذلك
الفعل الثوري الاقتحامي نهج الثورة واقتدارها على مواجهة الخصوم ومنازلة الأعداء.
ظلت الثورة منذ يومها الأول أمينة على مبادئها وقيمها، بوصفها ثورة الأمة العربية
من خلال شعب العراق، ومعولاً عليها في بناء تجربة نموذجية على المستوى القومي،
وعلى المستوى الإنساني. ومنذ الأيام الأولى تمكنت الثورة البيضاء(ثورة الطريق
الجديد) ان تكتسب شرعيتها الثورية عن طريق التفاف أبناء الشعب حولها، وتأييد أبناء
الأمة العربية لها، وبوصفها ثورة قومية جسدت معنى الثورة العربية بكل أبعادها
النضالية والثقافية والحضارية. وجاء التأييد العربي للثورة من خلال مشروعها القومي
التحرري، والوحدوي التقدمي، إضافة إلى ارتباطها بحقيقة الأمة، واستلهامها التراث
الحضاري للأمة العربية، وقدرتها على اكتشاف التناقضات الحادة في الواقع العربي،
الفكرية والسياسية والاجتماعية، وقدرتها على استشراف أفاق المستقبل المشرق.
فمنذ
البداية حملت الثورة على عاتقها مهمة النهوض بالمشروع الحضاري العربي نيابة عن
الأمة العربية، وسخرت إمكانيات العراق المادية والبشرية لخدمة هذا المشروع.
إن هذا
المشروع الذي اضطلعت به ثورة تموز كان الجواب الشافي عن نكسة الخامس من حزيران،
والرد على محاولات إجهاض ما تحقق في حرب تشرين 1973كما كان رد الحزب على ردتي
18تشرين و 23شباط في العراق وسوريا، وأعاد الثقة إلى أبناء الأمة العربية، وأعاد
إلى العراق وجها القومي النهضوي، وممارسة دوره القومي بمستوى قدراته المادية
والبشرية، وبعمق جذوره الحضارية.
يتضح مما
تقدم ان ثورة تموز ليست كثورات قامت في العالم الثالث، وليست انقلاباً مثل باقي
الانقلابات المعروفة، بل هي ولادة تاريخية لحزب له رسالة تاريخية عظمى، ولشعب
عظيم، وقائد متميز في عطائه وإيمانه وفكره،وثورة بمستوى التحديات الكبرى التي تحيط
بالأمة العربية. لكل ذلك فإنها ظلت مؤهلة للاضطلاع بمهمات قومية كبرى، ومؤهلة لأن
تواجه مؤامرات الأعداء الامبرياليين والصهاينة. وقد أكدت أهليتها في ملحمتي
القادسية وأم المعارك.
ومن اجل طي
صفحة الاضطراب والفوضى التي عاشها العراق قبل الثورة، فقد ضمنت ثورة تموز(الثورة
البيضاء) حقن الدماء، ودخلت منذ الأيام الأولى مرحلة تثبيت سلطة الحزب، وخطت خطوات
ثورية اقتحامية على طريق تحقيق الاستقلال الوطني الناجز في كل الميادين السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية والقومية. كما دخلت مرحلة البناء الجاد
والتنمية بكل ميادينها، من اجل بناء الإنسان الجديد، وبناء المجتمع الاشتراكي الذي
تسوده العدالة والأمن.
وعلى الرغم
من تآمر الأعداء فإن المبادرة ظلت بيد الثورة وقائدها، بدءاً بتصفية شبكات
الجواسيس، والتعرض للمؤامرات والقضاء عليها بحزم وقوة، وإعلان بيان 11 آذار وتأميم
شركات النفط الاحتكارية وإقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وإقامة الحكم
الذاتي، وتنفيذ خطط طموح، منحت العراق قاعدة اقتصادية في مجالات الزراعة والصناعة،
فضلاً عن تنمية القدرات البشرية وتزويدها بآخر ما توصل إليه العلم والتقنية،
وحافظت الثورة أيضاً على روح المبادرة في التعرض للقوى المعادية أو الطامعة في
العراق أرضا ًوثروات. كما حدث في ملحمتي القادسية وأم المعارك، وحرب تشرين 1973،
والدفاع عن جنوب لبنان، والتصدي لاتفاقيات التسوية مع الكيان الصهيوني.
لقد كانت
مبادرات قيادة الثورة في العراق، في الإطار القومي، محط إعجاب أبناء الشعب العربي،
ومحط ثقتهم بقدرات العراق، وإمكانياته في التصدي لمخططات الأعداء، والإسهام في جهد
التحرير. ووجدت تلك المبادرات استجابة من العرب الشرفاء ممن تنقصهم القدرات
المادية فقط،.وفي الوقت نفسه أثارت غضب الأعداء، ونقمة بعض أصحاب الفرض السيئ.
ولذلك لم تحظ تلك المبادرات بالقبول الجماعي، ولم تتحقق نتائجها. كما حصل في
التحايل على دعوة العراق لتأميم النفط العربي، تنفيذاً لشعار الحزب المشهور(نفط
العرب للعرب)، بإعطاء الدول المنتجة للنفط حصصاً للمشاركة بدلاً من التأميم، ولم
تستجب الدول المعنية للنداء الذي أطلقته قيادة الحزب والثورة باستخدام النفط
سلاحاً في المعركة القومية. كما لم تستجب الأطراف المعنية لمشروع الوحدة المقاتلة
الذي سبق حرب تشرين وأعقبها. وبادرت قيادة الحزب والثورة إلى الدعوة إلى إنشاء
نظام اقتصادي عربي يحقق قدراً من العدالة لأبناء الأمة العربية، وطرح الرفيق القائد
صدام حسين مشروع العقد الاقتصادي العربي في قمة عمان عام 1980.
وعلى معيد
العلاقات الخارجية، فقد كان العراق ومازال، يتبع سياسة مستقلة ثابتة تقوم على
المبادئ التي أقرها الحزب في دستوره، وفي مؤتمراته القومية والقطرية. وانطلقت
الثورة، منذ الأيام الأولى، تبني أوثق العلاقات المتكافئة مع الأقطار العربية
انطلاقاً من النظرة القومية التي نادى بها الحزب، ومع دول العالم على أسس من
الاستقلال التام واحترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وإدراك
مصلحة الأمة العربية ومصالح العراق المشتركة.
وقد حدد
الإعلان القومي الذي طرحا الرفيق القائد صدام حسين في شباط 1980 معالم السياسة
المستقلة للعراق وللأقطار العربية، بوجوب إبعاد النفوذ الامبريالي والأجنبي عن
الأراضي العربية، وهي الدعوة التي كررها القائد في مؤتمر قمة مجلس التعاون العربي
في عمان عام 1990 إلى سحب الأساطيل الأمريكية من مياه الخليج العربي، ومازالت هذه
الدعوة قائمة اليوم، وتطالب الثورة الولايات المتحدة بسحب أساطيلها العدوانية من
المياه الإقليمية لأنها تشكل مصدر الخطر على العراق وعلى الأمن القومي العربي.
وحرصت الثورة على تعزيز الحوار ومنهج السلام بين الأقطار العربية والدول المجاورة
وبالتحديد إيران وتركيا.
ثانياً:
دور الرفيق القائد صدام حسين
عرف
البعثيون في العراق الرفيق صدام حسين منذ وقت مبكر، وبالتحديد عندما تصدى مع رفاقه
للدكتاتور عبد الكريم قاسم، وخروجه من العراق إلى القاهرة. وقد تحول بعد ردة
18تشرين 1993 من مناضل معروف في صفوف الحزب حسب إلى قائد متميز أضطلع بمهمة إعادة
بناء الحزب والتصدي لسلطة الردة. ووجده البعثيون وأبناء الشعب يضطلع بالنهوض
بمهمات قيادة الحزب الفعلية والدفاع عن مصالح أبناء الشعب، وقد تعززت هذه القناعة
بعد ان أذاع راديو دمشق رسالة صوتية للرفيق صدام حسين يدعو فيها رفاقه وأبناء
الشعب إلى النضال من اجل إسقاط حكم عبد السلام عارف.
ووضح دوره
القيادي المبدئي عندما تصدى بجرأة للانحرافات وحاول القيام بمهمة التصحيح عن طريق
القنوات الحزبية الرسمية، ومنها موقفه في المؤتمر القومي السادس 1963 عندما عبر عن
موقفه النقدي الإيجابي الجريء من الأخطاء التي وقعت فيها قيادة الحزب والثورة في
العراق، وحذر من سقوط التجربة إذا استمرت تلك الأخطاء والانحرافات. وقد أثار موقفه
النقدي الحريص على الحزب وثورته في العراق إعجاب رفاقه في الحزب والقيادة. وقد
أفصح منذ وقت مبكر عن مؤهلات قائد متميز يملك ما يؤهله لقول الحقيقة، ويتمتع بصفاء
ذهني وثبات مبدئي، أهله لأن يقود الحزب آنذاك، ويضع النقاط على الحروف.
برز دور
الرفيق صدام حسين القيادي في تصديه لحكم الردة، وتمكنه من تجريد الزمر المنحرفة من
إمكانيات البقاء، واستمرار شرعية الحزب، والصمود في وجه الجلادين داخل السجون،
وإعطاء النموذج البعثي في الصمود والصبر والتحدي وأصبح شعاره الذي كتبه على جدران
السجن "إذا اهتزت
لديك قيم المبادئ فلا تنس قيم الرجولة"، نموذجاً
للبعثيين في تحدي إرهاب السلطة.
وعلى الرغم
من صعوبة وتشابك الظروف التي أحاطت بالحزب في العراق، فان هذه الظروف لم تشغل فكر
الرفيق صدام حسين بالكامل، ولم ينس هم الحزب على الصعيد القومي، فقد شغلته ظروف
الحزب القومية قبل ردة 23شباط وبعدها. وقدم تقويماً لما كان يجري، بالجرأة نفسها
التي نقد فيها تجربة الحزب في العراق. كما انه واجه محاولات السلطة الشباطية للنيل
من ثقة الحزب في المراق، وافشل نواياها من خلال الشرعية الحزبية التي مثلها
المؤتمر القطري السادس 1966.
وعندما
وقعت نكسة الخامس من حزيران زادت هموم الحزب، ولكنها زادت الرفيق صدام حسين، في
الوقت نفسه، همة وإصراراً على النضال من اجل تصفية مواقع الردة، وإعادة العراق إلى
دوره الوطني والقومي المتميز، وإعادة ثقة أبناء الأمة بأنفسهم وبأمتهم، ودفعت تلك
الظروف القائد صدام حسين إلى ان يباشر بنفسه وبهمة الثوار وضع خطة الثورة وتنفيذها
خطوة خطوة، وتجلى دوره القيادي في تصحيح وضع الثورة الاستثنائي، وغير المحسوب في
يوم الثلاثين من تموز، إذ حسم الوضع الشاذ في الثورة بإنهاء زمرة النايف وإخراجه
خارج العراق، ووضع حجر الأساس لثورة البعث الصافية، وتحمل مسؤولية التعامل مع
الانحراف والتشويه بثورية ومبدئية عالية لضمان مستقبل الثورة.
ومنذ
الأيام الأولى للثورة حرص الرفيق صدام حسين على تجاوز أخطاء ثورة 8شباط 1923، فحرص
على ان يبقى للقيادة دورها الواضح في صنع الثورة، وفي اتخاذ القرارات والالتزام
بها والحرص على تنفيذها، وتثبيت سلطة الحزب في قيادة الدولة لضمان الخط الثوري
الذي رسمه الحزب للثورة الجديدة، ثورة الطريق الجديد والعمل بجد على ضمان
الاستقلال الوطني وإحداث التنمية الشاملة بما يخدم النظام الاشتراكي وأهدافه في
بناء الإنسان وتنميته ليكون إنسان الثورة الجديد. وتصدى للمؤامرات الداخلية
والخارجية التي استهدفت الحزب والثورة واستهدفت شخصه بالذات، فأصبح النموذج القيادي
التاريخي أمام أنظار أبناء الشعب وأمام أبناء الأمة العربية وأمام الأحرار في
العالم.
وعند
استعراض مواقف الثورة ومنجزاتها نجد لمسات الرفيق القائد صدام حسين واضحة فيها،
ولم يقتصر دوره على المنجز المادي، بل ظل دوره في البناء الروحي والمعنوي بارزاً،
فكان المعلم والعربي والمفكر والموجه لرفاقه في الحزب وفي مفاصل الدولة وفي القوات
المسلحة تحديدا التي تعد سياج الوطن وحامية منجزات الثورة، ومنفذة المهمات الوطنية
في الدفاع عن السيادة والاستقلال، والمهمات القومية دفاعاً عن الأمن القومي
والسيادة القومية.
إن أحكام
الموازنة التي ضبطها الرفيق القائد بين المادي والروحي جعل تجربة العراق تجربة
ثورية طوال السنوات الماضية، ولم تتحول إلى نظام تقليدي، كما انه لم يسمح للتجربة
بأن تنطوي على ذاتها، وتنغمس في استثمار قدراتها المادية، في إطار حدودها القطرية،
بل ظلت تجربة وطنية وقومية وإنسانية في الوقت نفسه.
ولم يسمح
للتأثيرات السياسية بأن تنال من السيادة الوطنية، أو تبعد ثورة العراق عن المبادئ
التي وضعها الحزب في السياسة الخارجية، وبالتحديد عدم الانحياز ودعم حركات التحرر
الوطني، وإقامة علاقات متوازنة مع دول العالم وعلاقات تعاون مع بعض الدول ذات الخط
المستقل في السياسة الدولية.
ولتعميق
دور الثورة في المجال الإنساني طرح الرفيق القائد في قمة هافانا 1979 مشروع إنشاء
صندوق عالمي تسهم فيه الدول المصدرة للنفط والدول الصناعية لمساعدة الدول الفقيرة،
وتحقيق قدر من العدالة في توزيع الثروة. ومبدأ العدالة في توزيع الثروة كان احد
شعارات أم المعارك، لأن القائد يرى انه من الأولى ان تتحقق العدالة في توزيع
الثروة على النطاق القومي أولاً، ولا يجوز ان يبقى قلة من العرب يعيشون في تخمة،
وغالبيتهم يعانون الفقر والمرض والتخلف.
ولم يكتف
الرفيق القائد بطرح هذا المشروع في إطار حركة عدم الانحياز، بل أسهم العراق في
الصناديق الخاصة بتقديم المساعدات إلى بعض الدول النامية، فضلاً عن المساعدات
المباشرة لبعضها.
لقد حرص
الرفيق القائد على توسيع علاقات العراق الدولية على أسس واضحة قوامها التكافؤ،
وتحقيق المصالح المشتركة المشروعة لكلا الطرفين. وتوسيع علاقات العراق التجارية
لإيجاد منافذ واسعة للتبادل التجاري، وتجنبه محاولات الآخرين ابتزازه أو فرض شروط
جائرة عليه، ولاسيما في مجال استيراد المواد التقنية المتقدمة التي تدخل في
التنمية الصناعية وفي الصناعات العسكرية.
لقد برزت
القدرات القيادية للرفيق القائد صدام حسين على الرغم من بقائه رسميا فترة في
الموقع الثاني في الحزب والدولة (1928-1979). وتحمل أعباء صيانة مسيرة الثورة
وقيادة مهمات التحويل والبناء على طريق إقامة نظام اشتراكي تسوده العدالة، يسعد
الإنسان فيه، وتبنى تجربة جديدة مؤهلة لحمل رسالة الأمة العظمى. لقد احكم الرفيق
القائد التعايش ني قيادة الحزب والثورة فترة ليست قصيرة. وقد انصب همه على معالجة
الأخطاء والثغرات في المسيرة الثورية، والتخطيط لترسيخ الاستقلال الوطني الناجز.
وعندما
انتقل رسمياً إلى الموقع الأول في الحزب والثورة، بدأت صفحة جديدة في تاريخ
العراق، ودخلت الثورة مرحلة جديدة من البناء الثوري في مختلف الأبعاد السياسية
الرسمية والشعبية والوطنية والقومية والحضارية. منذ الأيام الأولى لهذه المرحلة
أدركت القوى المعادية ان التجربة في العراق ازداد خطرها على المصالح الاستعمارية
وزاد خطرها على وجود الكيان الصهيوني الاستيطاني الاغتصابي. ولذلك بدأ التآمر مملى
القائد وعلى الثورة منذ الأيام الأولى لتسلمه الموقع الأول في الحزب والثورة. فكان
العدوان الإيراني والعدوان الثلاثيني في محاولة لإسقاط التجربة الثورية وإزالة
خطرها على مصالح المعتدين. ومن هنا تكمن عظمة الانتصار الذي حققته ثورة البعث في
يوم الأيام 8/8/1988، لأنه كان انتصاراً وطنياً وقومياً، وكان انتصاراً لمبادئ
الحق والسلام وتجسيداً لروح الحضارة التي تمثلها التجربة البعثية في العراق. وتكمن
عظمة المنازلة الكبرى في آم المعارك في أنها أعادت التوازن إلى حياة الأمة، كما عر
البيان الصادر عن المقياد0الغومية في الذكرى الحادية والخمسين لتأسيس الحزب بعد ان
زعزعت النكسات والنكبات والتراجعات عن المبادئ القومية أسس البناء القومي الذي
شادته الأمة بنضالها في هذه المرحلة المصيرية من حياتها.
وقد أدرك
الأحرار في العالم وأبناء الأمة العربية عظمة أم المعارك، بعد سنوات الحصار
الطوال، بما حملته من الآلام والمصاعب، وما انطوت عليه من ظلم بين تتحمل وزره
الولايات المتحدة الأميركية. أدركوا عظمة الشعب العراقي بصموده الأسطوري، وأدركوا
مقومات القيادة التاريخية المتمثلة بشخص الرفيق القائد، ولاسيما بقيادته لمعركة
الرد الحضاري. فهذه المعركة الفريدة من نوعها وفي ظروفها قد عبرت عن نهضة البناء
الحضاري، وبناء الإنسان العراقي الجديد، وعبرت عن رؤية الآفاق المستقبلية الواعدة
التي تستظل تحت أفياء مشروع الأمة الحضاري الانبعاثي.
وقد عبر
الرفيق القائد عن أم المعارك بأنها حالة غير موصوفة وغير متصورة من قبل عندما واجه
البعث والشعب هذه الحالة الاستثنائية، وبرغم ذلك فإن ثقة القائد بالنصر كبيرة
ومؤكدة، وبأنهم الفائزون في هذه المنازلة حتى الشوط الأخير.
إن قيادة
الرفيق القائد صدام حسين لمسيرة الحزب والثورة قد خلقت حالة انبعاثية متدفقة قادرة
على مواجهة التحديات، ومواجهة من أمرات الأعداء، ومواجهة مهمات المرحلة المقبلة.
وابرز أصالة التجربة البعثية الثورية في العراق، وأعلى سارية الرسالة الخالدة آلتي
يحملها مشروعها القومي النهضوي.
وعبر بيان
القيادة القومية - أنف الذكر- عن هذا الدور القيادي إذ حاء فيه:
«نجح البعث
والعراق والقيادة التاريخية، مجسدة بالدور الوطني والقومي البطولي للمجاهد الكبير
صدام حسين، في وضع تاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها في ميزان المواجهة التاريخية،
وفي تحقيق مستوى من النجاح يليق بعظمة التاريخ الحضاري للعراق، وبعظمة الرسالة
الخالدة للأمة أعيدت الثقة للثوابت والبديهيات القومية، التي تنكرت لها وشككت فيها
وحاربتها جهات كثيرة. وانفتحت أبواب التفاؤل بالمستقبل أمام العمل القومي، بفضل
المواقف الجهادية التي جعلت من البعث والأمة حالة واحدة، وأطلقت أمام القوى الخيرة
المناضلة، على امتداد الوطن لعربي، فرص العمل المستقبلي».
ثالثاً:
دور الحزب في البناء الوطني والقومي
حققت قيادة
الحزب والثورة انجازات متميزة في أثارها المستقبلية، وأثارها في المشروع القومي
والنهضوي الذي تضطلع به الثورة، فتحققت انجازات في إطار التحولات السياسية
والاجتماعية والاقتصادية عززت الاستقلال الوطني الذي سعت إليه القيادة منذ الأيام
الأولى للثورة. فتمت ضمن هذا السياق تصفية شبكات الجواسيس وتثبيت سلطة الحزب وحل
المسألة الكردية حلاً سلمياً وديمقراطياً، وترصين الصف الوطني بعد احتراب طويل
شهده شمال الوطن، وإقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وقيادة عملية تأميم
شركات النفط الاحتكارية، فكان قرار التأميم قراراً تاريخياً، وصانع هذا القرار
قائد تاريخي وضع كل المعطيات الوطنية والقومية أمامه، وصمم على ضمان حاضر أبناء
الشعب وضمان مستقبلهم، لذلك دخل الشعب كله في عملية التأميم، وشارك في المواجهة مع
الشركات الاحتكارية حتى تحقق النصر الناجز عاو 1973.
إن قرار
التأميم لم يكن قراراً سهلاً، ولاسيما ان النفط يدخل في صلب حياة الدول في العالم
وفي الغرب على وجه الخصوص، ولا نبالغ إذا قلنا ان احد الأسباب وراء العدوان
الثلاثيني على العراق كان انتقاماً من العراق ومن البعث ومحاولة للنيل من القائد
صدام حسين مهندس قرار التأميم والمخطط له.
وما ان
انتصرت الثورة في معركة التأميم حتى وضعت قيادة الحزب والثورة عائدات بيع النفط
المؤمم في خدمة التنمية الانفجارية الكبرى، وولوج ميدان التقنية المتقدمة، ومنها
استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وتعزيز القوات المسلحة وإعادة تنظيمها
وتدريبها وتسليحها وأعدادها فكرياً وعسكرياً لتكون مؤهلة للقيام بمهمات وطنية
وقومية. ووجدت القيادة ان الاستقلال الوطني لا يتعزز إلا من خلال قوة عسكرية قادرة
على حماية الثورة ومنجزاتها. وتأمين قوة عسكرية متميزة لا يكون إلا من خلال تنويع
مصادر السلاح، ودخول ميدان التصنيع العسكري لكسر احتكار الدول الكبرى للسلاح
الاستراتيجي الذي يحمي الأمة وأمنها القومي.
وهذا الأمر
استلزم إقامة علاقات متميزة ببعض الدول الصناعية، وإقامة تعاون معها، يقوم على
أساس المصلحة المشتركة، والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية إضافة إلى وضع
موقف هذه الدول من القضايا القومية، وفي مقدمتها فلسطين في الاعتبار.
المؤتمر
القطري الثامن 1974
لقد حكمت
سياسة الثورة في ميادين البناء الوطني والإنساني قرارات المؤتمرات القطرية للحزب.
وقد كان المؤتمر القطري الثامن 1974 بداية مرحلة جادة ومتميزة ولاسيما انه انعقد
عقب تأميم شركات النفط، والاشتراك في حرب تشرين في جبهتي سوريا ومصر، وبعد
الانتصار في الأول من آذار 1973.
وقد قوم
المؤتمر مسيرة الثورة على مدى السنوات الماضية التي شهدت انجاز مهمات كبيرة عززت
سلطة الحزب، وعمقت مفهوم الثورة القومي والاشتراكي والتحرري وأصدر المؤتمر وثيقة
سياسية وفكرية مهمة، قومت مسيرة الحزب السابقة بما فيها تجربة الحكم عام 1963،
ووضع برنامجاً واضحاً للفترة اللاحقة.
ومن اجل
الحفاظ على دور الحزب القيادي لمسيرة الثورة فقد ميز تمييزاً واضحاً بين المسؤولية
الحزبية والمسؤولية الوظيفية في الدولة، وعدم الخلط بينهما، أو التداخل الذي يؤثر
سلباً في الدور القيادي للحزب.
وحدد
المؤتمر المرحلة اللاحقة للمهمات التي يجب ان تضطلع بها الثورة في الجوانب
المتعلقة بالاستقلال السياسي والاقتصادي، والمسألة الكردية، والجبهة الوطنية،
والتحولات الديمقراطية، ودعا إلى تطوير وسائل الثقافة والإعلام بما يؤهلها لأن
تواكب مسيرة الثورة وتنهض بدور التعبئة الجماهيرية والدفاع ممن مبادئ الثورة
والترويج لها في المحيط العربي والعالمي.
وتناول
المؤتمر الجوانب المتعلقة بمهمات التحويل الاشتراكي والمشكلات النظرية والعملية
التي تعترضها.
وأكد تقرير
المؤتمر القطري الثامن على ضرورة أحكام الموازنة بين متطلبات بنا، قاعدة ثورية
للتجربة الوطنية ومتطلبات النضال القومي عبر موقف علمي واضح وربط بين المهمات
الوطنية والمهمات القومية، وتحديد موقف الحزب والثورة من الأوضاع الدولية في ضوء
الموقف من قضايا الأمة القومية.
المرحلة
بين المؤتمرين الثامن والتاسع
حفلت تلك
المرحلة بين 1974- 1982بالعديد من الانجازات في البناء الوطني وتعزيز الاستقلال
السياسي، وفي مقدمتها حسم التمرد العميل في شمال الوطن لمصلحة وحدة أبناء الشعب،
ووحدة الوطن الواحد، ووضع جميع أبناء الشعب صفاً واحداً في مواجهة قوى الأعداء،
وشهدت انجازات مادية كبيرة في مختلف القطاعات التنموية التي منحت العراق قاعدة
صناعية وزراعية. ففي تلك المدة والسنوات اللاحقة رفعت السدود وشقت الطرق، وبنيت
الجسور وشقت القنوات لتحسين التربة وجعلها صالحة للزراعة، وفتحت المستشفيات
والعيادات الشعبية، وأصبح العلاج مجاناً للمواطنين، وبنيت المدارس والمعاهد
والجامعات، وصار التعليم مجاناً، وقدمت الخدمات للمواطنين، وحافظت الثورة على
تكافؤ الفرص أمامهم في شغل الوظائف في الدولة والانتساب إلى صفوف القوات المسلحة.
وفي تلك الفترة انطلقت قيادة الثورة تبني أوثق العلاقات القائمة على الاحترام
المتبادل وعلى مصالح الأمة العليا ومصالح العراق المشتركة مع دول العالم وأسهمت
قيادة الثورة في دعم حركة عدم الانحياز مادياً لتعزيز منهجها المستقل بعيداً عن
تأثيرات الدول الكبرى، واسهم الرفيق القائد صدام حسين فكريا وسياسيا في تعزيز
الحركة وجعلها منظمة مستقلة تسعى إلى خلق نظام عالمي سياسي واقتصادي يقوم على
العدل، وتقليص الفوارق بين الأغنياء والفقراء الذين يشكلون الكثرة في العالم.
وفي المجال
القومي أسهمت الثورة وقيادتها التاريخية في جهد فكري وسياسي ومادي من اجل تخليص
العرب ووطنهم الكبير من الوجود الأجنبي، ورسم سياسة تضامن تكفل حقوق العرب في
التحرر والاستقلال، وترقى بالعرب فوق خط التردي، ومواجهة الكيان الصهيوني الذي
يهدد الأمن القومي، ويحول دون تحقيق وحدة العرب من خلال التهديد بالعدوان وإشغالهم
عن السعي نحو التقدم والنهضة. وقدم الرفيق القائد الإعلان القومي الذي ينظم
العلاقات بين الأقطار العربية، ويضع أسس الأمن القومي العربي.
وعلى
الصعيد الديمقراطي قطعت الثورة خطوات ملموسة على طريق تعزيز الممارسة الديمقراطية
من خلال النقابات والاتحادات، ووضع قانون المجلس الوطني وإجراءات انتخاباته عام
1980 بطريقة وأسلوب يبعد تأثيرات المال والإعلام والدعاية الرأسمالية في سير
الانتخابات، وفي النتائج التي تتحقق. وقد مهد المجلس الوطني لحياة برلمانية سليمة،
وهو يسهم في أداء الوظيفة التشريعية إلى جانب مجلس قيادة الثورة، ويمارس صلاحيات
الرقابة على مؤسسات الدولة. كما ان المنافسة الحرة بين المرشحين لعضوية المجلس
الوطني عن طريق الانتخابات المباشرة وتوفير فرص الدعاية المتكافئة لهم في وسائل
الإعلام الرسمية، وحق الرجال والنساء الكامل في الاقتراع والترشيح.. كل هذا ساعد
على إنجاح الممارسة الديمقراطية في انتخاب أعضاء المجلس في دوراته اللاحقة.
المؤتمر
القطري التاسع والمرحلة اللاحقة 1982
حالت ظروف
العدوان الإيراني على العراق دون عقد المؤتمر القطري في موعده، ولكن تلك الظروف لم
تمنع من عقد المؤتمر في ظل الحرب، ومن ان يقوم مسيرة الثورة في السنوات الماضية،
ويضع تصورات واضحة للمرحلة اللاحقة. وقد انشغل المؤتمر بهموم الحرب والمواجهة مع
العقلية الخمينية الطائفية المتخلفة، وحدد مواصفات القائد البعثي في الحزب وفي
الدولة وفي القوات المسلحة التي يقع في مقدمتها الصدق والشجاعة والتضحية والإيمان
بمبادئ الثورة والاستعداد للتضحية في سبيلها.
ووقف في
تقويمه خطوات المرحلة السابقة عند بعض التطبيقات في المجال الاقتصادي في ضوء ما
حددته الإضافات الفكرية للرفيق القائد صدام حسين، وتجاوز حالات الاختناق والسلبيات
التي رافقت عملية التنمية الاقتصادية في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة وقطاع
الخدمات، والوقوف على المشكلات المادية والإدارية والفنية التي واجهت عملية
التنمية في القطاعات أنفة الذكر.
وفي تلك
المرحلة طرح الرفيق القائد مسائل نظرية تتعلق بالبناء الاشتراكي في قطر واحد،
والعلاقة بين القطاعين الاشتراكي والخاص، والنظرة إلى الملكية الخاصة والنشاط
الخاص، وفي ضوء تلك الطروحات الفكرية المثبتة في كراس (طريقنا خاص في بناء
الاشتراكية) حدد المؤتمر القطري التاسع في تقريره السياسي الذي صدر عام 1983 صيغة
العلاقة بين القطاع الاشتراكي والقطاع الخاص بعدم التعارض والتقاطع، وعدم نمو
القطاع الخاص على حساب القطاع الاشتراكي. وبرغم ذلك ظهر عزم الحزب والثورة على
تقديم الدعم إلى القطاع الخاص ليسهم في عملية البناء الاشتراكي ويرفد الدخل القومي
ويوفر فرصاً للعمل وينتج في مجالات تسد حاجة أبناء الشعب.
حدد
المؤتمر محاور المرحلة المقبلة بتعزيز النهر المستقل والخاص والمتميز لتجربة الحزب
في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعميق هذا النهج، وتوسيع وتطوير
قاعدة البناء الاشتراكي في مختلف ميادين الاقتصاد، والاهتمام بدور القطاع الخاص في
ميادين الزراعة والصناعة والخدمات على وفق المؤشرات التي حددها الرفيق القائد من
قبل.
وعلى الرغم
من ظروف الحرب مع إيران فإن المؤتمر دعا إلى تنمية النشاط الاقتصادي والصناعي على
وجه الخصوص دون نسيان الزراعة التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد الحرب.
كما ان
المعركة كانت فرصة للوقوف على متانة النهج والبناء اللذين قطعتهما الثورة، ولذلك
أكد المؤتمر استقلالية التجربة، برغم كل الضغوط سواء في الإطار القومي أم الدولي،
وبقاء الجب والتفاف الجماهير وتقديم التضحيات وبحث المؤتمر قضية فكرية ملحة هي موقف الحزب المبدئي والعملي من
الإيمان ووقوفه ضد الإلحاد، والوقوف ضد كل أشكال استخدام الدين لتحقيق أغراض
سياسية.
لقد كانت
مؤسسات دولة الحزب ملتزمة بمقررات مؤتمر الحزب التاسع، وكانت المهمة الملحة، هي
التركيز في التنمية في الجانب الصناعي، والصناعة العسكرية على وجه الخصوص، لإحداث
التفوق على الجانب الإيراني، وتجاوز الظروف الجغرافية التي كانت لمصلحة إيران،
وتجاوز حجم إيران السكاني، وحسم المعركة لمصلحة العراق وهذا ما تحقق في يوم النصر
العظيم.
لقد كان
النصر العراقي نصراً للأمة العربية كلها، وانتصاراً لمبادئ الحق والسلام وبقدر ما
غمر الفرح نفوس أبناء الأمة بهذا الانتصار أثار ضغينة وحقد الأعداء الامبرياليين
والصهاينة، إذ اخذوا يثيرون ضجة في قضايا ملفقة ضد العراق للتشويش على النصر
العراقي، وإيقاف تأثيره في المحيط العربي. وعلى الرغم من ذلك فإن قيادة لحزب
والثورة خطت خطوات باتجاه العمل الوحدوي منها إنشاء مجلس التعاون العربي، وتعزيز
الموقف العربي من خلال الجامعة العربية.
وعلى صعيد
البناء الديمقراطي ناقش مجلس قيادة الثورة وقيادة قطر العراق الأسس العملية لتشكيل
أحزاب سياسية والارتقاء بالممارسة الديمقراطية خطوة نحو التعددية الحزبية. كما
ناقش الاجتماع مسألة إعداد دستور للبلاد يؤطر التعددية الحزبية، وإعداد قانون
الأحزاب، وتنظيم حرية الصحافة والمطبوعات.
وفي
السنوات اللاحقة تم إعداد الدستور وعرضه على المجلس الوطني وإقراره، ويؤكد الدستور
في إحدى مواده ان الشعب هو مصدر السلطة وشرعيتها يمارسها عن طريق ممثليه أو
بالاستفتاء. واقر قانون التعددية الحزبية في الأول من أيلول 1991 أي بعد العدوان
الثلاثيني على العراق. والقانون يتسع لكل التيارات الفكرية والسياسية المؤمنة
بالدفاع عن استقلال العراق ووحدة أراضيه وسيادته ووحدته الوطنية، وتعتز بتراث
العراق وتاريخه المجيد.
المؤتمر
القطري العاشر (مؤتمر الجهاد والبناء) ومرحلة الحصار
قلنا ان
الأعداء ساءهم النصر العراقي في 8/8/1988 ولذلك بدأوا ينفذون صفحات متتالية من
المؤامرة الكبرى على العراق، وقالوا ان العراق يملك قوة هائلة وهو قادر على ان
يدمر اي بلد لا يتماشى مع نهجه التوسعي الطامع في الهيمنة على الخليج، وان العراق
ينتهك حقوق الإنسان من القوميات غير العربية. قالوا هذه الأسباب والدوافع والكثير
غيرها لكي يبرروا عدوانهم على العراق، ولكن أسباب العدوان شخصها الرفيق القائد
صدام حسين في المؤتمر القطري العاشر الاستثنائي 1992بقوله:
(لقد وجدوا
العراق يمثل الأمة تمثيلاً فريداً في الإيمان، ويصر إصراراً فريداً، على ان يكون
أميناً على التراث، ووجدوه فريداً في انه يجعل ولادة نهضته الجديدة باسم الأمة،
وباسم الإنسانية، إلى جانب ما يستحضره من خصوصيات وطنية أو قومية، ينظر إليها
بأنها غير مانعة، بل هي دافعة لكي تتجسد رسالته في رحاب أهدافها وميدانها
وتصوراتها الأشمل).
حقدوا على
العراق واعتدوا عليه لأنه _ إضافة إلى ما تقدم _قد تطور تكنولوجياً وعلمياً، وتطور
ثقافياً وفي ميادين المعرفة.
ولهذه
الأسباب أو لغيرها، فان العدوان عبر-كما قال الرفيق القائد-عن حقد يتصل اتصال
وراثة بالحملة الصليبية الغربية التي قامت بها أوربا على العرب، واصطدمت بصلاح
الدين الأيوبي. كما ان هذا العدوان فضح كل ادعاءات الغرب أنه ضد التعصب، وهو مع
الإنسانية الاشمل. واشر العدوان أخس أنواع الحقد على نهضة العرب وخصوصيتهم الأصيلة
التي مثلها العراق في مبادئ القومية والإيمان، وفي معاني الدور الإنساني
واتجاهاته، وزوايا الربط الصحيح بالعالم الأوسع ومستلزماته. لقد شغل الرفيق القائد
نفسه في معالجة الآثار المباشرة التي أحدثها العدوان من جراء تدمير البنى التحتية،
في محاولة من الولايات المتحدة إرجاع العراق إلى مرحلة ما قبل الصناعة -كما عبر
جيمس بيكر -وقد استطاع الرفيق القائد ان يخلص المناضلين وأبناء الشعب من كثير من
دواعي اليأس والإحباط التي تكونت كردة فعل أولى مما أحدثه العدوان من دمار مادي
لكل مستلزمات الحياة.
إن ما أعاد
الثقة إلى نفوس المناضلين وأبناء الشعب، هو قرار القائد بإعادة إعمار ما دمره
الأشرار في ملحمة جهادية خالدة، سميت (معركة الرد الحضاري المقابل) وإعادة
مستلزمات الحياة الأساسية كالماء والكهرباء والبنزين في فترة وجيزة بعد وقف إطلاق
النار، وإنهاء صفحة الخيانة والغدر.
لقد كانت
المهمة الأساسية لضمان وحدة الشعب، والحفاظ على الاستقلال الوطني، هي كيفية مواجهة
الحصار الظالم. فكانت إجراءات القائد ومبادراته الخلاقة، كالبطاقة التموينية التي
وفرت للعائلة قدراً من ممكنات العيش الكريم، وحالت دون وقوع مجاعة كالتي تحدث في
بلدان أخرى، وزيادة الرواتب والمخصصات لذوي الدخل المحدود من الموظفين في القطاعين
المدني والعسكري، ومنح المناضلين الأنواط والأوسمة، كانت هذه الإجراءات والمبادرات
محفزات لكي يتغلب أبناء الشعب على ظروف الحياة القاسية.
إن عملية
الاعمار بالشكل الذي حدثت فيه من همة عالية في الانجاز، ودقة في العمل، قد وفرت
الثقة بالمستقبل، كما تجاوز أثرها كل ما هو مادي واقتصادي إلى ما هو معنوي وروحي،
وأصبحت أبواب المستقبل مفتوحة أمام العراقيين بفضل وهمة القائد والمجاهدين، لا كما
توقع الأعداء أو تمنوا من وراء عدوانهم.
وعلى الرغم
من عنف المؤامرة الامبريالية وخبث مدبريها، فإن الرفيق القائد وأعضاء القيادة،
أداروا معركة المواجهة السياسية والدبلوماسية مع الولايات المتحدة وبعض الأطراف
الدولية، بكفاءة عالية، منطلقين من إيمانهم العميق بأنهم يمثلون ثورة الأمة
العربية، ويحملون رسالة إنسانية كبرى إلى كل أحرار العالم. ولذلك حافظوا على
استقلال العراق الوطني برغم كل محاولات التفتيت وتجزئة العراق على وفق خطوط العرض
الجغرافية. وازدادت وحدة الشعب، والتفافه حول القائد، واستعداد» للتضحية دفاعاً
عنه وعن العراق العظيم. وقد أكد للعالم هذه الحقيقة سواء في (يوم الزحف الكبير)،
أو (يوم الشعب)، أو (يوم الراية)، أو في الاستجابة لنداء القائد في التطوع في
فدائيي صدام والتدريب الشعبي الشامل، الذي شهد العالم نتائجه في يوم النصر
والاستعراض الكبير في (يوم النخوة) وفي ذكرى تحرير الفاو.
وفي خضم
انشغال العراق بالمواجهة مع الولايات المتحدة واللجان الخاصة وما أحدثته من
استفزازات، فإن فلسطين وقضايا الأمة الملحة، ظلت حاضرة في ذهن الرفيق القائد،
وتشغل فكره بإيجاد مخارج تريح الأمة وتنهض بها فوق خط التردي الذي وصلته جراء
التشرذم والانصياع لإرادة الأجنبي. فطرح فكرة التضامن مجدداً والالتقاء على قواسم
مشتركة تقوم على تحقيق مصالح الأقطار العربية كلها. كما طرح مشروعاً لإنقاذ
فلسطين، فدعا إلى عقد مؤتمر قمة عربي لبحث موضوع فلسطين حسب، بعيداً عن العقد
ومشكلات الماضي، ولوضع خطة واقعية يمكن من خلالها استعادة حق العرب في فلسطين.
والخلاصة :
ان البعث والقائد صدام حسين، والتجربة الثورية في العراق قد حملوا جميعاً قضايا
الأمة العربية، وقضية فلسطين على وجه الخصوص وعبروا عن حقيقة الأمة وحتمية
انتصارها. وبفضل المسيرة النضالية الشاقة على مدى الثلاثين سنة الماضية، أصبح
العراق قاعدة إيمان واقتدار متقدمة للأمة العربية تنهض بدور الأمة القومي المؤمن،
وتحمل رسالة إنسانية عظيمة إلى البشرية كلها. وفيها من بذور الأمل بالمستقبل
المشرق الشيء الكثير، الأمل باستعادة الأمة لدورها التاريخي الحضاري الإنساني.
Reacties
Een reactie posten