كتاب العراق ثلاثون عاما من مسيرة الخير والتقدم ...صادر عن وزارة الثقافة والاعلام عام 1998 ...الجزء الثامن


بمناسبة الذكرى التاسعة لاستشهاد 
الرئيس الخالد صدام حسين 

تقدمت لجنة لبنان هذا الكتاب هدية للنشر 

الجزء الثامن 
-----------------------------------------------




  

العراق 

ثلاثون عاماً من مسيرة الخير والتقدم

الجزء الثامن

------------------------------- 

 

النفط

تتجسد في السياسة النفطية جوانب مواجهة الهيمنة الاحتكارية الأجنبية وضمان الاستثمار الأمثل للموارد والثروات القومية، إذ يمكن تأشير ثلاث حلقات مترابطة في إطار إستراتيجية الثورة في المجال النفطي تهدف جميعها إلى إدماج النفط في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بعد ان كانت جهود الشركات الاحتكارية موجهة إلى عزل القطاع النفطي عن مجريات التطور في العراق في المراحل السابقة. وتتجلى هذه الحلقات الثلاث فيما يأتي:

- الاستثمار الوطني المباشر للنفط وقد أشير في الوثائق الأولى للثورة وبضمنها بيان إعلانها إلى مفهوم استثمار النفط وطنياً وعلى نحو مباشر. ولهذا بادرت الثورة منذ عام 1969الى توقيع اتفاقية التعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق لاستثمار حقل الرملية الشمالي وطنياً وعلى نحو مباشر وكانت بداية الصادرات النفطية من حقل الرملية عام 1972، في حين اتجهت الكوادر الوطنية إلى استثمار حقول أخرى. - واعتمدت الثورة مبدأ تأميم النفط بهدف تخليصه من السيطرة الأجنبية وتوظيفه لمصلحة التنمية القومية، إذ بدأت انجازات التأميم الخالدة في الأول من حزيران عام 1972 في حين استكملت في السنوات اللاحقة لتضع كامل الثروة النفطية في خدمة التطور الناجز للعراق.

 

- تنمية الصناعة النفطية: وتركزت الجهود في سنوات الثورة في تحقيق قفزة نوعية في مجال الصناعة النفطية، الاستخراجية والتحويلية، إذ تتابعت عمليات استكشاف الحقول النفطية الجديدة والتنقيب عن النفط في عدد متزايد من الآبار وانجاز العمليات اللاحقة كافة اعتماداً على الكوادر الوطنية في حين تزايد عدد المصافي النفطية ومعامل إنتاج الدهون فضلاً عن المنشات المنتجة للغاز السائل وبقية المشتقات الهيدروكاربونية.

واستطاعت الكوادر الوطنية ان تكتشف الكثير من المكامن الغازية المستغلة بهدف تأمين كفاية الغاز السائل لاحتياجات القطر الآن وفي المستقبل مع إدخال الغاز الطبيعي ميدان التصدير.

وعلى صعيد بعض المؤشرات التي قد تفيد في معرفة كميات إنتاج النفط وصادراته نجد ان القطر أنتج عام 1980 كمية من النفط قدرها ( 2246) ألف برميل يومياً ارتفعت إلى (2740) ألف برميل في اليوم في عام 1988.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ان كمية وقيمة الصادرات النفطية انخفضت بين عامي 1980 و 1988من جراء الظروف التي عاشها القطر في أثناء الحرب العدوانية الإيرانية فضلاً عن انخفاض قيمة البرميل الواحد من النفط في الأسواق الدولية.

ولعل من المنجزات المهمة في القطاع النفطي إقامة الكثير من خطوط النقل والتسويق بهدف إعطاء القطر المرونة العالية في تصدير نفطه إلى أنحاء العالم شتى، إذ أنجز الخط الاستراتيجي الذي يؤمن ربط الحقول الشمالية بالجنوبية ومنافذ التصدير على وفق قواعد مرنة فضلاً عن انجاز الخط العراقي عبر السعودية.

الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بعد ان كانت جهود الشركات الاحتكارية موجهة إلى عزل القطاع النفطي عن مجريات التطور في العراق في المراحل السابقة. وتتجلى هذه الحلقات الثلاث فيما يأتي:

- الاستثمار الوطني المباشر للنفط وقد أشير في الوثائق الأولى للثورة وبضمنها بيان إعلانها إلى مفهوم استثمار النفط وطنياً وعلى نحو مباشر. ولهذا بادرت الثورة منذ عام 1969الى توقيع اتفاقية التعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق لاستثمار حقل الرملية الشمالي وطنياً وعلى نحو مباشر وكانت بداية الصادرات النفطية من حقل الرملية عام 1972، في حين اتجهت الكوادر الوطنية إلى استثمار حقول أخرى. - واعتمدت الثورة مبدأ تأميم النفط بهدف تخليصه من السيطرة الأجنبية وتوظيفه لمصلحة التنمية القومية، إذ بدأت انجازات التأميم الخالدة في الأول من حزيران عام 1972 في حين استكملت في السنوات اللاحقة لتضع كامل الثروة النفطية في خدمة التطور الناجز للعراق.

- تنمية الصناعة النفطية: وتركزت الجهود في سنوات الثورة في تحقيق قفزة نوعية في مجال الصناعة النفطية، الاستخراجية والتحويلية، إذ تتابعت عمليات استكشاف الحقول النفطية الجديدة والتنقيب عن النفط في عدد متزايد من الآبار وانجاز العمليات اللاحقة كافة اعتماداً على الكوادر الوطنية في حين تزايد ممدد المصافي النفطية ومعامل إنتاج الدهون فضلاً عن المنشآت المنتجة للغاز السائل وبقية الهيدروكاربونية.

واستطاعت الكوادر الوطنية ان تكتشف الكثير من المكامن الغازية المستغلة بهدف تأمين كفاية الغاز السائل لاحتياجات القطر الآن وفي المستقبل مع إدخال الغاز الطبيعي ميدان التصدير.

وعلى صعيد بعض المؤشرات التي قد تفيد في معرفة كميات إنتاج النفط وصادراته نجد ان القطر أنتج عام 1980 كمية من النفط قدرها (2646) ألف برميل يومياً ارتفعت إلى (2740) ألف برميل في اليوم في عام 1988.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ان كمية وقيمة الصادرات النفطية انخفضت بين عامي 1980 و 1988من جراء الظروف التي عاشها القطر في أثناء الحرب العدوانية الإيرانية فضلاً عن انخفاض قيمة البرميل الواحد من النفط في الأسواق الدولية.

ولعل من المنجزات المهمة في القطاع النفطي إقامة الكثير من خطوط النقل والتسويق بهدف إعطاء القطر المرونة العالية في تصدير نفطه إلى أنحاء العالم شتى، إذ أنجز الخط الاستراتيجي الذي يؤمن ربط الحقول الشمالية بالجنوبية وبمنافذ التصدير على وفق قواعد مرنة فضلاً عن انجاز الخط العراقي عبر السعودية.

ففي عام 1975 استكمل الخط الاستراتيجي في حين أنجزت المرحلة الأولى من الخط العراقي - التركي عام 1977 وأكملت مس حلته الثانية عام 1987 لتبلغ طاقته التصديرية 1.5 مليون برميل يومياً. وفي النصف الثاني من الثمانينيات تم انجاز الخط العراقي عبر السعودية بطاقة تصديرية تزيد على مليون برميل يومياً.

وعلى صعيد الاحتياطات النفطية ارتفعت مؤشراتها المثبتة من (32) إلى (112) مليار برميل بين عامي 1970 و 1992في حين بلغت الاحتياطات شبه المثبتة 46 مليار برميل، إذ تحققت هذه الانجازات نتيجة لزيادة فاعلية عمليات الاستكشاف والتنقيب التي مارستها الكوادر والملاكات والأجهزة الفنية الوطنية.

ويمتاز النفط المنتج من الحقول العراقية بالجودة والتنوع المرغوبين في صناعة النفط العالمية، إذ تتراوح كثافة معظم النفط العراقي المنتج بين 34- 32 درجة (بمقياس معهد البترول الأمريكي)، كما ان هناك نفطاً خفيفاً في بعض الحقول ترتفع درجة كثافته إلى 42درجة فضلاً عن الاحتياطيات الكبرى من النفط المتوسط والثقيل الذي تصل كثافته إلى 23درجة أو اقل من ذلك.

ويزخر العراق بثروات ضخمة من الغاز الطبيعي، وقد اتجهت الجهود لاستثمار كامل الغاز الطبيعي المصاحب للنفط الخام لإيقاف عمليات هدره وتبديده من خلال حرقه بعد إنتاج النفط الخام إضافة إلى التوجه نحو استكشاف المكامن الغازية المستغلة لاستخدام الغاز في مشاريع توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج السمنت والطابوق ومشاريع التصفية ومحطات ضخ النفط في خطوط الأنابيب ومشاريع البتروكيمياويات والأسمدة فضلاً عن الاستخدامات المنزلية على نطاق واسع.

وتتكون احتياطيات الغاز في المراق من ثلاثة مصادر هي:

- الغاز المصاحب للنفط الخام المنتج، وتقدر احتياطياته الثابتة بحدود (750) مليار متر مكعب.

- القبب الغازية التي تعلو المكامن النفطية في معظم الحقول العراقية وتقدر احتياطيات هذا النوع من الغاز بنحو (250) مليار متر مكعب.

- الغاز الحر من المكامن المستقلة التي تحتوي على الغاز الطبيعي فقط واكتشف الكثير منها حتى الآن إذ تؤكد المؤشرات وجود كميات هائلة من الغاز الطبيعي وتشير التقديرات الأولية إلى ان حجم الاحتياطيات في هذه المكامن يصل إلى (300) مليار متر مكعب.

وتجدر الإشارة إلى ان طاقة التصفية في العراق تضاعفت خمس مرات في حين تنتع المصافي العراقية في الوقت الحاضر بنزين السيارات والنفط الأبيض ووقود الطائرات وزيت الغاز وزيت الديزل والزيوت الأساسية والجاهزة والنفط الأسود والغاز الجاف والشموع والشحوم والإسفلت والكبريت

                                                                             الزراعة

تمثل التنمية الزراعية احد المرتكزات الأساسية للتنمية القومية لما يحتله قطاع الزراعة من مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني من جهة وصلته المباشرة بالأمن الغذائي للمواطنين عموماً من جهة ثانية وارتباطه المباشر بتطوير الريف وتحقيق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية في مناطق واسعة من القطر

ومن هذا المنطلق وجهت الثورة معدلات متزايدة من الاستثمارات لدعم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وتوفير مستلزمات التنمية الزراعية وفي مقدمة ذلك المشاريع الاروائية الكبرى واستصلاح الأراضي وتدعيم التحول من الزراعة التقليدية إلى الأنماط الجديدة في التنمية الزراعية التي تعتمد على المكننة اعتماداً واسعاً مع استخدام البذور المحسنة والأسمدة الكيمياوية والطرائف العلمية الحديثة في الحراثة والزراعة والحصاد، وتهيئة المستلزمات المكملة الأخرى ولاسيما الطرق الريفية المعبدة ومنشات التخزين العادية والمبردة فضلاً عن إقامة المشاريع الصناعية المعتمدة على المنتجات الزراعية لتعظيم قيمة ثمار الزراعة وتعزيز مساهمتها في الأمن الغذائي

وعلى صعيد المؤشرات الرقمية نجد ان قيمة الإنتاج النباتي بالأسعار الجارية ارتفعت من 131.2 1الى 201.6 مليون دينار بين عامي 1928و 1974وازدادت عام 1980  إلى  582.5مليون دينار، والى 4375مليون دينار عام 1990، محققة معدل نمو قدره 7.4% و19.3% و 17.3% في السنوات 1974 و 1980 و 1990 تباعاً.

 

أما الإنتاج الحيواني فقد ارتفعت قيمته بالأسعار الجارية من 69.6الى 153.2مليون دينار بين عامي 1998و 1974بمعدل نمو سنوي قدره 14.1% ثم ازدادت القيمة إلى 391.7 مليون دينار عام 1980 بمعدل نمو بلغ 16.9% اما في سنوات العدوان الإيراني فقد ارتفعت قيمة الإنتاج إلى 1623.4 مليون دينار عام 1990 بمعدل نمو قدره 15.3%.

ويمكن توضيح بقية مؤشرات التطور من خلال الأرقام الآتية:

- ازدادت المساحة المزروعة من 12.1الى 15.4 مليون دونم في الفترة 1968 -1990 بمعدل نمو سنوي قدره 1.1%.

- ازدادت القروض الممنوحة للمزارعين من 1.7 إلى 51مليون دينار.

- بلغ استصلاح الأراضي حتى نهاية عام 1989 (2.584) مليون دونم بعد ان كان عام 1968صفراً.

- ارتفع عدد المكائن الزراعية بالنسبة إلى الساحبات من 7404 إلى 38186ساحبة بين عامي 1968 و 1989وارتفع عدد المضخات من 11612 إلى 39866مضخة، والحاصدات من 1692- 2493حاصدة في الفترة نفسها.

- ارتفع عدد حقول الدواجن من 19الى 6607.

- مزارع الأسماك من صفر إلى 1118.

- السدود والخزانات من 5- 13.

ووزعت أيضاً ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية على الفلاحين وبلغ عدد المستفيدين منها (180) ألف فلاح ومزارع حتى 1989.

وعلى صعيد منطقة كردستان للحكم الذاتي يمكن إيراد بعض المؤشرات المتعلقة بتطور إنتاج بعض المحاصيل الإستراتيجية وعلى وجه التحديد الحنطة والشعير إذ ارتفع إنتاج الحنطة من 135الى 328الف طن بمعدل نمو سنوي قدره 4.3% ويشكل إنتاج المنطقة نسبة 4. 11% من إنتاج القطر عام 1969، و 27.4% من إنتاجه عام 1990.

أما الشعير فقد ازداد إنتاجه من 74الى 217 ألف طن بمعدل نمو سنوي قدره 3. 5% ويشكل بالنسبة إلى إنتاج القطر 7.7%و 7. 11% عامي 1929و 1990 تباعاً.

                                                                              التجارة

تسهم التجارة في دور مهم في الربط بين القطاعات الاقتصادية وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين ومستلزمات الإنتاج فضلاً عن قسطها في تصريف المنتجات النهائية للقطاع الصناعي.

وقد عمدت الثورة ضمن تدابيرها الأولى إلى تسيير التجارة الخارجية ووضعها في خدمة التنمية القومية فضلاً عن تركيز الجهود في تطوير وتنظيم التجارة الداخلية لتخدم القطاعات الواسعة من المواطنين.

وبذلك حققت التجارة الخارجية قفزة كبيرة في حجمها ومكونات المواد والسلع المستوردة أو المصدرة إذ ارتفعت قيمتها نحو 8 أمثال بين عامي 1928و 1972وكان للقطاع الاشتراكي دور قيادي ومؤثر في هذا المجال.

وازدادت قيم السلع المستوردة من 144 إلى 1151مليون دينار بين عامي 1968و 1976، أي ما يعادل ثمانية أمثال ما كانت عليه أيضاً.. وكان الارتفاع في حجم السلع الاستثمارية وشبه المصنعة والمواد الأولية المستوردة نحو 10 أمثال في حين ازدادت قيم السلع الغذائية والاستهلاكية المستوردة نحو خمسة أمثال وتنامت حصة القطاع التجاري الاشتراكي من 41الى 89في المائة من إجمالي الاستيرادات بين عامي 1998و 1972.

وحققت الصادرات زيادة كبيرة بلفت في سنة 1976نحو تسعة أمثال بالنسبة إلى النفط الخام، ومرتين بالنسبة إلى الصادرات الأخرى قياساً بما كانت عليه سنة 1998. وقد شكلت السلع المصنعة نحو 75% من لصادرات غير النفطية في حين ارتفعت حصة القطاع الاشتراكي إلى أكثر من.9% من إجمالي الصادرات.

وفي مجال التجارة الداخلية بلغت حصة القطاع الاشتراكي في الفترة نفسها أكثر من 850 مليون دينار، أي بنسبة 60% تقريباً من إجمالي مبيعات التجارة الداخلية.

وطورت ودعمت مساهمة الجمعيات التعاونية الاستهلاكية ووسعت خدماتها مع مراعاة التوزيع الجغرافي في هذا المجال.

 

ويمكن تثبيت الكثير من المؤشرات التي تجسد واقع النمو في القطاع التجاري الاشتراكي في سنوات الثورة على وفق ما يأتي:

- في مجال التجارة الخارجية كان معدل النمو السنوي لتخصيصات القطاع التجاري الاشتراكي للسنوات 1979-   1986نحو 8. 9% في حين بلغ معدل النمو السنوي لقيمة الاعتمادات والسحوبات 8.8% للفترة نفسها.

ولعل ما يؤشر كفاءة تنفيذ الخطط والبرامج الاستيرادية واقع النمو السنوي لتطور إجمالي قيمة البضاعة الواصلة بنسبة 7.5%.

أما التخصيصات الموظفة لاستيراد عام 1987فقد ازدادت بنسبة 2% وارتفعت قيمة الإجازات الممنوحة بنسبة 19% مقارنة بمؤشرات عام 1986.

وسجلت التخصيصات الموظفة لاستيراد القطاع التجاري عام 1988انخفاضاً قدره 3% مقارنة بعام 1987ويعود ذلك إلى التوجهات المعتمدة لدعم الإنتاج الوطني وجعل الاستيراد مكملاً له.

اما تخصيصات عام 1989فقد زادت بنسبة 3% على ما يماثلها عام 1988وهى تشكل 63% من إجمالي تخصيصات المنهاج الاستيرادي لعام 1989التي بلغت 5.6 مليار دينار.

ووضعت الخطة التصديرية لعام 1989 هدف تحقيق نسبة نمو في الصادرات العراقية التقليدية قدرها 57% وتحقيق نسبة نمو في صادرات القطاع الاشتراكي بمقدار 42% والقطاع الخاص بنسبة 111%.

وحققت شركات القطاع التجاري الاشتراكي في السنوات 1979-1986 معدل نمو سنوي في إجمالي مبيعاتها بلغ 19.5% في حين زادت هذه النسبة 1. 4% عام 1987 على مثيلتها عام 1986.


 

                                                                  النقل والمواصلات

يعد قطاع النقل والمواصلات ركيزة أساسياً للتنمية القومية لمساهمته في تحقيق الارتباط بين مناطق القطر المختلفة رفي مقدمتها تعزيز انسداد المدينة إلى الريف وتقوية العلاقة بين مراكز التجهيز ومواقع الإنتاج والتسويق فضلاً عن ربط القطر بالوطن العربي ومناطق العالم الأخرى، ولهذا لم يكن هن قبيل المصادفة ان تولي الثورة مفاصل هذا القطاع المختلفة اهتماماً متميزاً وتحرص على تحقيق المنجزات الكبرى على صعيد توفير المستلزمات الضرورية لرفع مستوى الأداء والقضاء على الاختناقات التي كانت تقف عائقاً في طريق حركة التنمية الطموح إيماناً منها بأن أية منجزات تنموية لا يمكن تحقيقها دون توفير خدمات النقل والمواصلات بالكفاية الكمية والنوعية المطلوبة. ويمكن في هذا الصدد إلقاء الأضواء على المؤشرات الرقمية في مجال النقل والمواصلات:

- بلغت الأطوال الكلية للطرق البرية المبلطة 4183كم عام 1968وازدادت إلى 38858كم عام.199، أي بمعدل نسبة زيادة سنوية مقدارها 37.7%.

- ازداد المجموع الكلي للسيارات من 120206 إلى 1028915سيارة بين عامي 1968و 1989 وازداد عدد السيارات الأهلية من 102004 إلى 992623سيارة بين عامي 1928و 1990 أي بنسبة (12سيارة) لكل 1000 من السكان عام 1928وازدادت إلى 55.5 سيارة لكل 1000 من السكان عام 1990، ويلاحظ من ذلك ان عدد السيارات ازداد بمعدل نمو سنوي مركب مقداره 10.9 % في الفترة نفسها.

وبلغ عدد السيارات التي تمتلكها أجهزة الدولة عام 1973(18202) سيارة ارتفع عام 1989الى 54818سيارة أي بمعدل نمو سنوي مركب مقداره 7.1%.

- وبلغ عدد حافلات نقل الركاب الموجودة (1075) حافلة عام 1968 في حين وصل عدد الحافلات الموجودة إلى(1268) حافلة عام 1989اي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 0.8% في الحافلات المتوفرة.

 - وارتفع عدد المسافرين بقاطرات المنشأة العامة للسكك الحديد من 1.7 إلى 3.2مليون مسافر بين عامي 1968و 1990. اما كمية البضائع المنقولة فقد ازدادت من 3الى 7.7مليون طن في الفترة نفسها أي بمعدل نسبة زيادة سنوية مقدارها 400 % في عدد المسافرين و 7.1% في كمية البضائع المنقولة.

- وبلغ عدد المسافرين القادمين على متن الطائرات الهابطة (112) ألف مسافر عام 1968 اما عدد المسافرين المغادرين على متن الطائرات المغادرة فقد بلغ (111) ألف مسافر وارتفع هذا العدد ليبلغ (583) ألف قادم و(834) ألف مغادر عام 1990. اما كمية البضائع المنقولة فقد بلغت المفرغة منها (2114) طناً والمحملة (514) طناً عام 1968وارتفعت عام 1990 إلى (15331) طناً بالنسبة إلى المفرغة و(5758) طناً بالنسبة إلى المحملة.

- بلغ عدد البواخر القادمة والمغادرة 1123 باخرة عام 1968وصلت حمولتها من البضائع المستوردة والمصدرة (1701) ألف طن وازداد عدد البواخر القادمة إلى (1446) والمغادرة إلى (1485) باخرة عام 1980 وكانت كمية البضائع المنقولة القادمة (6571) ألف طن والمغادرة (1100) ألف طن في السنة نفسها التي شهدت توقف هذا النشاط بسبب بدء العمليات الحربية جراء شن العدوان الإيراني. وبعد استئناف النشاط عام 1990، بلغ عدد البواخر القادمة 356باخرة وصلت حمولتها (1450) ألف طن والمغادرة 365 باخرة وصلت حمولتها (1417) ألف طن وذلك عام 1990.

- كانت السعة القصوى للبدالات 102460 خطاً هاتفياً عام 1968في حين بلغت الأرقام المشغولة 89724خطاً هاتفياً ووصلت الكثافة الهاتفية إلى 1.2 هاتف لكل 100 شخص، اما في عام 1990 فقد بلغت السعة القصوى للبدالات 960599 خطاً هاتفياً وبلغت الأرقام المشغولة 859389خطاً هاتفياً ويمكن من خلال مقارنة البيانات استخلاص معدل نسبة الزيادة السنوية بما يساوي 38.1% في السعة القصوى و39% في الأرقام المشغولة وارتفعت الكثافة الهاتفية لكل 100 من السكان إلى 5.4هواتف.

- ارتفع عدد الصناديق البريدية من 2759 إلى 25181صندوقاً بين عامي 1968و 1990 أي بمعدل نسبة زيادة سنوية قدرها 36.9%.

- وشهدت خدمات المواصلات والاتصالات في منطقة كردستان للحكم الذاتي تطوراً كبيراً في سنوات الثورة إذ بلغ عدد السيارات التي يملكها القطاع الخاص في المنطقة ومن مختلف الأنواع والأغراض 7278سيارة عام 1969ازداد إلى 86207 سيارة عام 1991اي بنسبة زيادة قدرها 2243.9%.

وارتفع عدد البدالات العاملة في المنطقة من 31 إلى 185بدالة بين عامي 1999و1990 بنسبة زيادة قدرها 496.8% في حين ازداد عدد الخطوط الهاتفية من 2540 إلى 54846خطاً هاتفياً في الفترة نفسها بمعدل زيادة قدرها 2059.3%.

 

البناء والتشييد

تبرز انجازات قطاع البناء والتشييد شاخصة في ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعي وحياة السكان كلها إذ انه يعد من القطاعات الارتكازية التي لا يمكن بدونها تدعيم تطورات الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية القومية. ويتجلى الدور الواضح لهذا القطاع في بناء المرافق العامة وشبكات الطرق الداخلية والخارجية ومشاريع التشييد العملاقة والجسور وغيرها حيث يمكن إلقاء الضوء على بعض مؤشرات التطور من خلال الأرقام الآتية:

- ازداد عدد الإجازات الممنوحة للبناء في هذا القطاع من 3.486الى 97989اجازة بناء بين عامي 1968و1990 وبمعدل نمو مركب قدره 5.5% وشكلت الإجازات الممنوحة لأغراض الأبنية السكنية في هذا القطاع نسبة عالية من الإجمالي العام قدرها (89.5%) للإجازات عام 1990 في حين بلغ عددها(87753) إجازة بناء ونسبة زيادتها بمعدل نمو مركب قدره 8.1%.

بلغت الكلفة الكلية المنفقة على الأبنية والإنشاءات في القطاعين الاشتراكي والخاص نحو 2. 71مليون دينار عام 1968واستمرت على الزيادة لتبلغ 2932.7مليون دينار عام 1990 وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.4% وكان للقطاع الاشتراكي دور كبير وبارز في تحقيق هذا التطور إذ بلغت حصته من إجمالي كلفة الأبنية والإنشاءات 56.1% في الفترة 1998-1990، كما بلغ معدل النمو السنوي المركب لكلفة الأبنية والإنشاءات في القطاع الاشتراكي 2. 11% ومعدل النمو السنوي المركب لكلفة الأبنية في القطاع الخاص نحو 3. 21% للفترة نفسها.

بلغت الأجور المدفوعة إلى العاملين في قطاع البناء والتشييد الاشتراكي 9.8مليون دينار واست لتصل إلى 72.5مليون دينار عام 1990أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9.5% للفترة نفسها.

أما العاملون في القطاع الخاص فقد بلغت أجورهم المدفوعة 9.3مليون دينار عام 1998 ارتفعت إلى 9. 555مليون دينار عام 1990 أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 20.4%  للفترة 1968-1990.

 

بلغ مجموع الأبنية المنجزة للقطاع الاشتراكي 4972موزعة على النحو الآتي: 14 في قطاع الزراعة و 354في قطاع الصناعة و(1) في قطاع النقل والمواصلات و46.3في قطاع الخدمات عام 1974وانخفض هذا المجموع إلى 1921عام 1990 موزعاً على النحو الآتي: 1022 في قطاع الزراعة و 49في قطاع الصناعة و 4 في قطاع النقل والمواصلات و 846في قطاع الخدمات وبمعدل نمو سنوي مركب قدره (8. 5%) للفترة 1971-1990.

أما مجموع الإنشاءات التي أنجزت للقطاع الاشتراكي فقد بلغ 4842منه 819في قطاع الزراعة و1206 في قطاع الصناعة و2610 في قطاع النقل والمواصلات و207 في قطاع الخدمات عام 1974وانخفض هذا المجموع إلى 1003 عام 1990 منه 368في قطاع الزراعة و207 في قطاع الصناعة و 195في قطاع النقل والمواصلات و 233في قطاع الخدمات ويعود هذا الانخفاض في عدد الأبنية إلى استكمال ما هو مقرر منها في إطار خطة التنمية القومية للسنوات 1986-1990، وفي السنة النهائية للخطة.

وارتفع ممدد الأبنية السكنية المنجزة للقطاع الخاص من20592 إلى 52555بناء للفترة بين عامي 1974و1990 اي بمعدل نمو سنوي مركب قدره (2%).

وارتفع عدد الأبنية الصناعية أيضاً من 117 إلى 728بناء في الفترة نفسها أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.1% في حين ارتفع عدد الأبنية التجارية من 901 إلى 2248بناه في الفترة نفسها أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9. 5% وازداد عدد الأبنية الخدمية من 31الى 368بناء أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16.7% للفترة 1974-1990.

ويمكن ان نتلمس في منطقة كردستان للحكم الذاتي التصور الحاصل في قطاع البناء والتشييد من خلال المؤشرات الآتية :

 

- كان عدد إجازات البناء الممنوحة في المنطقة 1137اجازة بكلفة (1593) ألف دينار عام 1970 ازداد عددها إلى(9239) إجازة كلفتها(148209) ألف دينار عام 1990 6اي بنسبة زيادة قدرها (712.6%) في عدد الإجازات، اما الكلفة فكانت كالآتي:

- بلغت الكلفة الكلية أبنية القطاع الخاص المشيدة في عام 1970 في المنطقة (2441) ألف دينار ازدادت إلى(215302) ألف دينار عام 1990 أي بزيادة نسبتها 8720.2 % في هذه الفترة.

- كانت الكلفة الكلية لأبنية وإنشاءات القطاع الاشتراكي المشيدة (1759) ألف دينار عام 1990 ارتفعت إلى(46696) ألف دينار عام 1990 بنسبة زيادة قدرها 2554.7%.

القوى العاملة والتدريب

حددت الثورة موقفاً متميزاً إزاء تشغيل وتطوير القوى العاملة بوصفها أداة التنمية وهدفها، وترتكز العملية التخطيطية للقوى العاملة على أساس حسن استثمارها وإعادة توزيعها علي وفق حاجة الأنشطة الاقتصادية وبما ينسجم ومتطلبات كفاءة الأداء وضمان المساهمة القصوى في انجاز المهمات المطلوبة في الميادين المختلفة.

ومن هذا المنطلق كفلت الثورة حق العمل للمواطنين فضلاً عن حقوقهم في الضمانات الاجتماعية المختلفة إذ يمكن في هذا الصدد تثبيت بعض المؤشرات المعبرة عن مستوى تطور إجمالي عدد العاملين في أجهزة الدولة والقطاع الاشتراكي والمختلط:

- بلغ عدد العاملين في أجهزة الدولة (385978) مشتغلاً عام 1972 وازداد إلى ( 1094793) عام 1986 أي بمعدل نمو سنوي قدره 7.7% وبعد عام 1983، الذي شهد الثورة الإدارية، انخفض عدد العاملين تدريجياً حتى بلغ (844369) مشتغلاً عام 1990 أي بمعدل انخفاض سنوي قدره (- 6.3%) في الفترة  1968-1990.

وكان عدد العاملين من الذكور (337851) مشتغلاً عام 1973استمر على الزيادة حتى بلغ (812429) مشتغلاً عام 1986اي بمعدل نمو سنوي قدره 6.5%، وبعد عام 1982 انخفض هذا العدد تدريجياً حتى بلغ (552570) مشتغلاً عام 1990 أي بمعدل انخفاض سنوي قدره 9.2%.

اما عدد العاملين من الإناث فكان 48127 مشتعلة عام 1972 ارتفع إلى 282364  مشتغلة عام 1986بمعدل نمو سنوي قدره 13.4% ثم ارتفع إلى 291799مشتغلة عام 1990 بمعدل نمو سنوي قدره 1%

- كان عدد العاملين من حملة شهادة الدكتوراه 1243عام 1972ارتفع إلى 1094عام 1986 واستمر على الارتفاع حتى بلغ 4452عام 1990 بمعدل نمو سنوي قدره 7.3%.

وبهدف تأهيل وإعادة تأهيل القوى العاملة وجهت الثورة عناية خاصة إلى عمليات التدريب والتطوير، إذ تصاعدت أرقام المراكز التدريبية وعدد المتدربين فيها حتى شملت قطاعات الاقتصاد الوطني كافة فضلاً عن الفروع الأساسية في الصناعة والزراعة والإدارة والتجارة والنفط والتشييد والبناء.

 

خدمات التربية والتعليم

بالنظر إلى علاقة الخدمات التربوية والاجتماعية بالمواطن الانسان فقد أولتها الثورة عناية خاصة من حيث تطورها النوعي وطاقتها الاستيعابية المتصلة بحجم الخدمات المقدمة فضلاً عن الاهتمام بمحو الأمية وإلزامية التعليم ومجانيته.

ويمكن تناول مؤشرات التطور في قطاع التربية والتعليم على النحو الآتي:

- ارتفع عدد دور الحضانة من 71 إلى 119 بين عامي 1979و1990 بزيادة نسبية قدرها 67.2% في حين ارتفع عدد الأطفال فيها من 6817الى 8214بزيادة نسبية بلغت 20.5 %. اما عدد الإداريين فقد ازداد من 830 إلى 980 إدارياً بزيادة نسبية قدرها 18.1% في الفترة نفسها.

- ارتفع عدد رياض الأطفال من 135الى 646 بين السنتين الدراسيتين 1968/1969-1990/1991 بنسبة زيادة قدرها 212.1% في الفترة1970/1971-1980/ 1981 وبنسبة زيادة 6.9 % في الفترة 1980/ 1681-1990/ 1991، كما ازداد عدد الأطفال فيها من 14530 إلى 86508 طفلاً بنسبة زيادة قدرها 468.3% و 13.1% على مدى الفترتين تباعاً.

أما عدد المعلمات فقد ارتفع من 551الى 49.8وبنسبة زيادة 324.6 % و8. 51% تباعاً على مدى الفترتين.

- ارتفع عدد المدارس الابتدائية من 5137 إلى 8725في الفترة 1968/ 1969-1990 / 1991 وبنسبة زيادة 69.8% في حين. ارتفع عدد تلاميذ هذه المدارس من 1017050 إلى 3335299تلميذاً في الفترة نفسها وبنسبة زيادة قدرها 133.2% في السنوات1970 / 1971-1980/1981 وبنسبة زيادة بلغت 27.7% في الفترة 1980/ 1981 -1990 /1991. اما عدد أعضاء الهيئة التعليمية فقد ازداد من 47058 إلى 130115 معلماً وبنسب زيادة بلغت 5. 89% و 38.5% في الفترتين تباعاً.

 

وعلى مستوى التعليم الثانوي ارتفع عدد المدارس من (840 إلى 2700) مدرسة بنسبة زيادة قدرها 4. 221%، في حين ارتفع عدد الطلبة من (285721 إلى 1058331) طالباً وبنسبة زيادة قدرها 27.4% اما عدد أعضاء الهيئة التدريسية فقد ارتفع من 9378 إلى 44479مدرساً بنسبة زيادة قدرها 374.3% في 1968/1969 – 1990/1991.

ازداد عدد مدارس التعليم المهني من 44 إلى 289مدرسة في الفترة 1968/1969 - 1990/ 1991بنسبة زيادة قدرها 552.6%، في حين ارتفع عدد الطلبة من 10600 إلى 142822طالباً وبنسبة زيادة قدرها 1247.3%. اما عدد أعضاء الهيئة التدريسية فقد ارتفع من 1002 إلى 9127 مدرساً وبنسبة زيادة 810.8%.

- ازداد عدد الطلبة في الدور والمعاهد المركزية لأعداد المعلمين والمعلمات من 10861 إلى 30962طالباً وبنسبة زيادة قدرها 185% في حين ارتفع عدد أعضاء الهيئة التدريسية من 443الى 1782مدرساً ومدرسة وبنسبة قدرها 3.3% في 1968/1969 – 1990/1991.

ما عدد الجامعات فقد ارتفع من 5 الى12في 1968/ 1969-1990/1991 بنسبة زيادة قدرها 4. 1% في حين ارتفع عدد الطلبة من 31086 إلى 179542طالباً بنسبة زيادة قدرها 477.6%، وارتفع عدد التدريسيين من 1879 إلى 10548 تدريسياً بنسبة زيادة 4. 461%.

- وارتفع عدد طلبة الدراسات العليا من 742 إلى 3928طالباً في السنوات 1972/1973- 1989/1990 بنسبة زيادة قدرها 388.9%.

وعلى مستوى منطقة كردستان للحكم الذاتي يمكن تثبيت المؤشرات الآتية.- ازداد عدد رياض الأطفال من 3 إلى 61روضة في 1970/ 1971-1990/1991 بنسبة زيادة قدرها 1933.3%، اما عدد الأطفال في هذه الرياض فقد ارتفع من 354 إلى 4297طفلاً وبنسبة زيادة بلغت 1113.8% في حين ازداد عدد المعلمات من 24الى 347معلمة وبنسبة زيادة قدرها 8. 1345% وعلى صعيد التعليم الابتدائي كان عدد المدارس الابتدائية 920 مدرسة في السنة الدراسية 1970/ 1971 قلصت وأعيد توزيعها لتبلغ 842 مدرسة في السنة الدراسية1990/ 1991، ارتفع عدد تلاميذ هذه المدارس من 93599 إلى 411265 تلميذاً وبنسبة زيادة 349.4%، اما عدد المعلمين والمعلمات فقد ارتفع من 4915الى 14544معلماً ومعلمة بنسبة زيادة قدرها 215%.

وشهدت في التعليم الثانوي تطوراً ملحوظاً إذ ازدادت أعداد المدارس من 118 إلى  292مدرسة بنسبة زيادة قدرها 148.3% ، اما أعداد الطلبة فقد ارتفعت من 17903 إلى 101127 طالباً بنسبة زيادة قدرها 9. 424% في حين ارتفع عدد أعضاء الهيئة التدريسية من 820 إلى 3751مدرساً ومدرسة بنسبة زيادة قدرها 357.4%.

وقد حقق التعليم المهني تقدماً ملموساً إذ ازداد عدد المدارس من 6 إلى 34مدرسة في 1970 /1971 – 1990/1991 بنسبة زيادة قدرها 466.7%، اما مدد الطلبة فقد ارتفع من 974 إلى 13201 طالباً وطالبة بنسبة زيادة قدرها 1255.3% في الفترة نفسها.

الخدمات الصحية والاجتماعية

وتكتسب الخدمات الصحية والاجتماعية أهمية متميزة لصلتها المباشرة بحياة المواطن وديمومة عطائه اجتماعياً واقتصادياً مما دفع الثورة إلى ايلائها عناية خاصة على مدى سنواتها المتتابعة، ويمكن في هذا الصدد تثبيت المؤشرات الآتية.

- ازدياد أعداد المستشفيات من 149الى 252 في 1968- 1989بنسبة زيادة قدرها 32.9% في السنوات 1968- 1979في حين بلغت هذه النسبة 27.3في السنوات 1979- 1989.اما عدد الأسرة في هذه المستشفيات فقد ارتفع من 16327الى 26652سريراً بنسبة زيادة بلغت 7. 51% و 7.6% على مدى الفترتين تباعاً.

 

- ارتفعت أعداد ذوي المهن الطبية (الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة) من 3145 إلى 13621بنسب زيادة بلغت 127.8% و 190.2% في السنوات 1968-1979 و 1979- 1989تباعاً اما أعداد ذوي المهن الصحية المساعدة فقد ارتفع من 5303 إلى 35022 بنسب زيادة قدرها 227.2% و 101.8% تباعاً على مدى الفترتين.

- اما على صعيد وحدات الرعاية الاجتماعية فقد ارتفعت أعدادها من 74 إلى 83 وحدة بنسبة زيادة قدرها 97.6% في السنوات 1979-1990 في حين ازدادت أعداد المستفيدين منها في السنوات المذكورة من 5785الى 9164بنسبة زيادة قدرها76.1%.

- وينسحب الموقف نفسه على تطور الخدمات الصحية لمنطقة كردستان للحكم الذاتي حيث ازداد عدد المؤسسات الصحية من 129الى 137مؤسسة صحية بين عامي 1999و 1991بنسبة زيادة قدرها 2.2% في حين ارتفع عدد الأسرة في المستشفيات من 1558الى 3448سريراً بين العامين المذكورين بنسبة زيادة 121.3%.

- ارتفع عدد ذوي المهن الطبية في منطقة الحكم الذاتي من 135-934طبيباً وصيدلانياً في أعوام 1969- 1991بنسبة زيادة قدرها 9. 591% وارتفع عدد ذوي المهن الصحية من 522الى 2191بنسبة زيادة قدرها 319.5% في الفترة نفسها.



نهر صدام

عُد نهر صدام، النهر الثالث بعد دجلة والفرات، لاهميتة الاقتصادية، إذ يخدم 6ملايين دونم من الأراضي المستصلحة إضافة إلى إبعاده الاجتماعية على المدى البعيد.

وتعود فكرة هذا المشروع إلى أوائل لخمسينات وكلفت في حينه عدة شركات أجنبية للقيام بدراسته وتنفيذه وذلك لارتفاع مناسيب المياه الجوفية في وسط وجنوب العراق وازدياد نسبة الملوحة في الأراضي الزراعية وتردي إنتاجية الدونم الواحد.

 

وتعاقبت الشركات الأجنبية الاستشارية والمنفذة عبر عشرات السنين الماضية لأعداد الدراسات اللازمة لحفره وإنشاء الجسور والمنشات المختلفة التي يتطلبها هذا النهر الكبير الممتد من شمال بغداد إلى الخليج العربي في خور عبد الله. وبمئات الملايين من المملة الصعبة.

غير ان هذه الشركات تلكأت في مراحل التنفيذ الأولى وتركت العمل ولم تنجز سوى قواطع قليلة من حجم العمل الكبير وغادرت العراق.

وفي سنوات التسعينات، وفي ظل ظروف الحصار والصعوبات الاقتصادية التي يمر بها القطر، باشر الجهد العراقي منفرداً، بسواعده وخبراته، بالعمل لتحقيق هذا المشروع الستراتيجي العملاق.. فكان الانجاز في زمن استثنائي لم يتجاوز (180) يوماً منذ البدء بالعمل الفعلي بتاريخ 25/5/92 حتى الافتتاح في 7/12/92، اليوم الذي توضأ فيه السيد الرئيس القائد المجاهد صدام حسين بمياه هذا النهر وصلى فرض المغرب، وركعتي شكر لله سبحانه وتعالى.

يبلغ طول النهر (595) كيلومتراً. ويصل عرضه عند السطح إلى طول 100 متر ويبلغ 50 متراً في القعر.

ويعمل النهر على تحسين الأراضي الزراعية، التي تقدر مساحتها بحوالي (9) ملايين دونم، بعد تخليصها من الأملاح لزيادة الإنتاج. إذ ينقل الأملاح من وسط وجنوب العراق إلى مياه الخليج العربي عبر شط البصرة، بحدود (80) مليون طن سنوياً.

ويساعد النهر على التقليل من نسبة التلوث في نهري دجلة والغرات وشط العرب وذلك بتحويل مصبات شبكات البزل وجعلها تصب فيه بدلاً من دجلة والفرات، إضافة إلى انخفاض نسبة الملوحة في هذين النهرين بعد تحويل مصبات المبازل الرئيسة عنهما.

وإضافة إلى فائدته في عمليات البزل وتخليص الأراضي الزراعية من الملوحة، فان نهر صدام سيستعمل مستقبلاً لأغراض الري، بعد ان تقل الملوحة فيه تدريجياً، من خلال عملية بزل الأراضي الملحية وزراعتها بصورة علمية مما يؤدي إلى تقليل نسبة الملوحة فيها وبالتالي انخفاض هذه النسبة في مياه النهر.

كما يمكن الاستفادة من النهر في تنمية الثروة السمكية وسيعمل نهر صدام على تثبيت الكثبان الرملية المتحركة في المناطق التي يمر بها وخاصة في المنطقة الواقعة بين بحيرة الدلمج ومدينة الناصرية وذلك من خلال زراعة الأراضي المجاورة له بالأشجار غير النفضية والمحاصيل الأخرى. لتقليل تأثير الرياح على حركة الكثبان الرملية.

 

ومن الناحية الاجتماعية والسكانية سيعمل النهر على توطين عدد كبير من العوائل الفلاحية على جانبيه وهذا بدوره سيقلل من التضخم السكاني في المدن.

كما سيسهم في تطوير وتنمية الأسس الاجتماعية والاقتصادية وتكوين مجمعات سكنية جديدة من خلال تحسين الزراعة والقاعدة الصناعية المعتمدة على المحاصيل الصناعية وبالتالي زيادة العوائد الاقتصادية للفلاحين وتحسين مستواهم المعاشي والثقافي والاجتماعي.

إن انجاز نهر صدام في ظل ظروف الحصار، والمؤامرات الأمريكية الصهيونية المستمرة، يعطي قوة للقرار السياسي المستقل والسيادة الوطنية بعدم الرضوخ للضغوط الخارجية والمساومة على قوت الشعب تحت أي ظرف من الظروف.

 

مشروع وفاء القائد

مشروع وفاء القائد، من المشاريع الستراتيجية الكبرى التي تم تنفيذها بالخبرة والأيادي العراقية، لتامين المياه العذبة للبصرة (مدينة المدن) من موقع (البدعة) في محافظة ذي قار.

وتأتي أهمية هذا المشروع العملاق من تأمينه مياه الشرب لـ 2.500.000  مواطن في محافظتي البصرة وذي قار، من جهة، ومن جهة أخرى فانه أنجز في زمن الحصار الجائر وما سببه من شحة في المواد والأدوات والمستلزمات الضرورية لانجاز مشروع بهذا الحجم والأهمية.

بلغت كلفة المشروع (20) مليار دينار بالعملة المحلية دون صرف أية عملة أجنبية. ونالت شرف الإسهام في انجازه كل من:

* وزارة الري

* وزارة الإسكان والتعمير

* وزارة الداخلية

* وزارة الصناعة والمعادن

* هيئة التصنيع العسكري

* وزارة الدفاع

وقد احتشد لانجازه أكثر من (5) ألاف مهندس وفني وعامل ماهر و (2000) آلية مختلفة.

ويتكون المشروع من جزءين رئيسين:

الأول: قناة ناقلة للماء العذب من قضاء الشطرة في محافظة ذي قار إلى محافظة البصرة بطول 238كيلو متراً.و200 متر.

الثاني: محطة الضخ الرئيسة في محافظة البصرة بمكوناتها الكهربائية والميكانيكية والأنابيب الناقلة بأقطار متنوعة، ومجموع أطوالها 148 كيلومتراً إلى مواقع مشاريع إسالة الماء في البصرة وأبي الخصيب والزبير والشعبية والهارثة، والأعمال المدنية اللازمة لانجازها.

استغرق العمل في هذا المشروع مدة (22) شهراً، تواصل العمل خلالها ليلاً ونهاراً.

وكانت البداية في شهر تموز عام 1992 بهدف تامين مياه الشرب من شط الغراف إلى البصرة.

إلا ان العمل توقف أوائل عام 1993، عندما حالت ظروف الحصار الظالم دون توفر مستلزمات العمل وفق الخطة الموضوعة.

وفي اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 2/10/1995، أمر السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه. باستئناف العمل في المشروع،

وتلبية لأمر الرئيس القائد حفظه الله ورعاه استنهضت الهمم وشحذت الطاقات الاستئناف العمل وانجازه على أساس توفير مستلزمات المشروع بأسلوب التدبير العراقي ودون إنفاق أية عملة أجنبية.

وتم افتتاح المشروع بتوفيق من الله وبرعاية السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه يوم الثلاثاء 23شعبان 1418هـ المصادف 23كانون الأول 1997م.

وهكذا وبعد حرمان طويل امتد لأجيال متلاحقة، يصل الماء العذب إلى مدينة البصرة على يدي الرئيس القائد الكريمتين.

ويوفر المشروع للمستفدين منه 150 مليون غالون من الماء يومياً .. بطاقة 21م3 /ثا.. منها 5م3 /ثا لمدينة الناصرية و1م3 /ثا لسوق الشيوخ، وحصة محافظة البصرة 15م3/ثا. بما يحقق وفراً لمواطني المحافظة يقارب 24مليار دينار سنوياً.

ونصبت للمشروع محطة كهربائية رئيسة بطاقة 11/380 كي. في 10ي وخطان ناقلان لكهرباء الضغط العالي.. و20محولة بسعات مختلفة تتراوح بين (1600) و(1000) كي. في. اي.

وقد تم اختيار / نهر الغراف مصدراً للمياه العذبة التي ينقلها المشروع، لجودة مياهه وصلاحيتها للشرب والاستخدامات المدنية الأخرى وفقاً للمواصفات العالية والعراقية، كما انه أفضل من البدائل الأخرى الممكنة مثل مياه شط العرب ونهر الفرات أو ذنائب نهري دجلة والعز.

وروعي عند اختيار المسار عدم إمراره في مناطق ذات ملوحة عالية أو مناطق جبسية، فدر الإمكان. وكذلك تلافي اختلاط المياه الجوفية بمياه القناة عن طريق عزل الاثنين عن بعضهما بتبطين جزء من المسار وتقليل الانحدار الطولي في أجزاء أخرى بهدف رفع مناسيب قعر القناة وجعلها أعلى من مستوى المياه الجوفية.. كما تم تنفيذ مبازل جانبية للقناة في بعض المناطق لخفض مناسيب المياه الجوفية فيها.

لقد أنجز العمل في هذا المشروع الإنساني الكبير وسط ظروف صعبة ومحاطة بالمخاطر.. فبالإضافة إلى شحة المواد وقلة المستلزمات، فان بعض مسارات الطرق التي تم تنفيذ العمل بها كانت مزروعة بالألغام من مخلفات العدوان الأميركي الصهيوني.. وقد انفجر بعضها والحق إضراراً ببعض الآليات.

إلا ان العمل استمر بكل همة واندفاع رغم تقلبات الجو وقساوة الطبيعة والألغام الأمريكية حتى تحقق حلم أهالي البصرة العذب.. بشرب المياه العذبة.


الفصل الثاني عشر
الدفاع عن الوطن
بعد ان تخلص العراق من الحكم العثماني، وشكلت الحكومة المؤقتة في 35تشرين الأول 1920 طرحت فكرة تأسيس الجيش العراقي، وتشكلت لجنة من الجانب العراقي والجانب البريطاني لهذا الفرض، وكان الجانب العراقي يرى انه لابد من إقامة كيان مستقل يبدأ بتشكيل جيش وطني يعزز الوحدة الوطنية ويدفع الأخطار الخارجية عن الوطن، في حين كان الجانب البريطاني يبغي تشكيل جيش صغير بديلاً لجزء من قوات الاحتلال البريطاني التي بدأت نفقاتها تثقل كاهل الإدارة البريطانية.
وتشكلت النواة الأولى للجيش العراقي في 6كانون الثاني 1921، وبعد ان شكلت الدوائر الأساسية الرئيسة للمقر العام للجيش شكل فور المشاة الأول في 28تمون 1921 الذي سمي بفوج موسى الكاظم في 9أذار 1922ثم توسعت تشكيلات الجيش على الرغم من المحاولات البريطانية وجهودها المحمومة لمنع توسيع حجم الجيش وتطوره.
وحدث أول صراع مسلح بين الجيش العراقي والقوات البريطانية الغازية في أحداث ثورة مايس 1941، ولعدم توازن القوى تمكن البريطانيون من تصفية ثورة مايس، إلا ان ذلك لم يفت في عضد الضباط الوطنيين واستمروا على تطوير الجيش وجاءت مشاركة الجيش العراقي في الحرب العربية الأولى مع الكيان الصهيوني عام 1948 مضرب المثل في الشجاعة الوطنية والنزوع القومي الأصيل.
و بعد ان نجح الجيش العراقي في إسقاط الحكم الملكي في ثورة 14تمون 1958 شكلت الفرقة الخامسة وشهد الجيش تطوراً ملموساً وبخاصة في التسليح إذ بدأ بشراه السلاح من الاتحاد السوفيتي (السابق) والدول الاشتراكية، ومع كل ذلك ظلت بنية الجيش بلا تغير جذري يسبب طبيعة النظام الذي يمثله عبد الكريم قاسم.
وعند قيام الثورة الشعبية التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي في 8شباط 1963 أسهمت بعض تشكيلات القوات المسلحة العراقية إسهامهاً فعالاً في الثورة، غير ان ارتباك الأوضاع وحدوث ردة 18 تشرين عام 1963 أديا إلى ضعف الجيش وتفشي ظاهرة الكتل والولاءات والصراعات داخله.
وشاركت القوات العراقية المسلحة في الحرب العربية الثالثة ضد الكيان الصهيوني في 5 حزيران 1967بحدود فرقة مع القطعات الساندة على الجبهة الشرقية وفوج على الجبهة المصرية فضلاً عن مشاركة القوة الجوية من خلال استخدام القاصفات في ضرب العمق الصهيوني والطائرات المقاتلة التي تمكنت من إسقاط بعض الطائرات الصهيونية.
وقد استمرت القوات المسلحة على مستواها السابق حتى قيام ثورة 17-30 تموز المجيدة إذ بدأت صفحة جديدة في بناء القوات المسلحة على أفضل وجه.
بناء القوات المسلحة في ظل ثورة (17-30) تموز المجيدة
سعت قيادة الثورة إلى إعادة بناء القوات المسلحة وأعدادها أعداداً جيداً وتسليحها وتجهيزها بأحدث لتجهيزات لتتمكن من أداء مهامها على فضل وجه، ويمكن تأشير ذلك من خلال لفقرات الآتية:
المرتكزات الفكرية
حدد المؤتمر القطري الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي مهمتين أساسيتين للقوات المسلحة، الأولى تعزيز قيادة الحزب للجيش ووضع الأسس والضوابط المبدئية والعسكرية التي تمكنه من أداء مهامه الوطنية والقومية، وتطهيره من العناصر المشبوهة والمغامرة وتحصينه من الانحرافات والمنزلقات
والثانية تنظيم الجيش على أسس علمية حديثة وتطوير أساليب تدريبه وتعبئته وقدراته القتالية والفنية، وإمداده بأقوى الأسلحة والمعدات والتجهيزات وأحدثها لكي يتمكن من تأدية واجباته المقدسة في الحفاظ على وحدة البلاد ودرء العدوان والإطماع الخارجية. ومن المهام الأخرى التي عهدت إلى القوات المسلحة هي الدفاع عن مبادئ الحزب والثورة للنهوض بالأمة العربية على طريق جديد لكي يكون فعلها ذا جدوى تاريخية.
الضبط والمعنويات
تستند المعنويات إلى تفاعل العوامل المادية والعوامل غير المادية تفاعلاً يضمن تماسك المقاتل وأداء فعله القتالي على نحو متميز في كل الظروف، وقد أولت القيادات المختلفة في القوات لمسلحة هذه الناحية اهتماماً كبيراً مستلهمة التوجيهات السديدة للسيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه من خلال توظيف معطيات العلوم النفسية والاجتماعية والسياسية والإعلامية في تشخيص مؤشرات الروح المعنوية في جانبيها السلبي والايجابي.
وقام التوجيه السياسي بعمل كبير في ذلك وقدم المشورة في الجوانب كافة ذات العلاقة بالحالة المعنوية وكان لما تمتعت به قواتنا المسلحة من معنويات عالية اثر واضر في حسم المعارك المصيرية بالنصر المؤزر.
كما أسهمت التوعية والتثقيف المقترن بالحث مملى الالتزام في بناء شخصية الفرد المقاتل واتزان سلوكه وتصرفاته وعدم الخروج على روح الجماعة المنضبطة التي تعد من مقومات القوة في إطار مفهوم الضبط القائم على أسس العلاقات الإنسانية الذي يضمن الطاعة الفورية للأوامر مثلما هو حالة عقلية تنتج الاستعداد للطاعة التلقائية والاندفاع والتضحية والاستبسال، ان الأداء الكفء لقواتنا المسلحة الذي أذهل الأعداء، يعد من أروع صور الضبط المرتكز إلى البناء الفكري الرصين الذي أسهم في تحقيق قدر عال من الشعور بالمسؤولية والتضحية والفداء.
القيادة
في إطار الشروط والمواصفات التي حددها السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه لنمط الشخصية القيادية المقنعة للمرؤوسين بوصفها الحالة المتميزة بخواص الصبر والشجاعة والحكمة ورد الفعل السريع الموضوعي والدقيق، والقدرة على الإبداع والتصور، والاستعداد للتعلم من تجارب الآخرين، والإلمام بخصائص السوق العام، في الأقل من مستوى قائد الفرقة، برزت نماذج متميزة استطاعت خلق التفاعل الصحيح بين الأسلحة والعقول والسواعد باتجاه الهدف وصولاً إلى تحقيق النصر. وبفعل النموذج القيادي المشع بامتداد تأثيراته، والحضور الميداني لقائدنا الفذ السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه تهيأ للقادة والآمرين الكثير من مفردات قوة التأثير، إلى جانب الدور الذي قامت به المؤسسات المعنية بثقافة الاختصاص المهني والثقافة العامة.
التوجيه السياسي
من المرتكزات الفكرية المهمة في بناء القوات المسلحة الاستناد إلى أسس فلسفية تعزز ارتباط الفرد المقاتل بالمجتمع الذي ينتمي إليه والحرص على سمعته، والى أسس نفسية وتربوية من خلال مراعاة الفروق الفردية في مجالات القدرات والميول، ومراعاة انتقال الأفراد داخل المؤسسات العسكرية، وما يطرأ على الفرد المقاتل من تغيرات ومساعدته على تكامل نمو شخصيته وعلى التوافق والتكيف مع إجراءات الدعم المعنوي والتحصين النفسي، وكان لمنظومة عمل التوجيه السياسي في إطار مهماتها المرسومة دور كبير في البناء الفكري في الجوانب النفسية والثقافية والإعلامية أسهم في تعزيز الروح المعنوية وتوثيق الفعل البطولي للقوات العراقية المسلحة في قادسية صدام المجيدة وأم المعارك الخالدة، والحفاظ على روح النصر.
تطوير حجم الجيش
شهد الجيش العراقي تطوراً كبيراً وواضحاً في ظل ثورة 17-30 تموز المجيدة، فقد نظم على أسس علمية حديثة وتطورت أساليب تدريبه وقدراته القتالية، إذ أكد المؤتمر القطري الثامن للحزب عام 1974ضرورة تنظيم الجيش على أسس علمية حديثة وزيادة تشكيلاته وإمداده بأسلحة ومعدات متطورة وبما يتلاءم والمهمات الوطنية والقومية التي نهضت بها ثورة 17-30 تموز المباركة، وبدأ العمل سريعاً في هذا الاتجاه حتى أصبح حجم الجيش عند بدء العدوان الفارسي في 4 أيلول 1980 في حدود ثلاثة فيالق تتألف من ثلاث فرق مدرعة وفرقتين آليتين وسبع فرق مشاة ولواءين مدرعين مستقلين وستة ألوية مشاة مستقلة، وبما يعادل خمس عشرة فرقة مختلفة.
وبتسنم السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه الموقع الأول في الحزب والدولة عام 1979، عمل جاهداً على تحقيق التوسع المطلوب في القوات المسلحة لتكون قادرة على تنفيذ المهام الوطنية والقومية، وابتدأت قادسية صدام المجيدة ولم تكن الأهداف المرسومة في هذا الجانب قد تحققت، وهكذا بدأ العمل على زيادة حجم القوات المسلحة منذ الأشهر الأولى للحرب، فشكلت قيادات جديدة بمستوى الفيالق والفرق إضافة إلى التشكيلات المستقلة من الألوية والوحدات والوحدات الفرعية المختلفة، وحين انتهت الحرب بوقف إطلاق النار في يوم النصر العظيم في 8أب 1988 كان حجم الجيش العراقي يبلغ ثمانية فيالق تضم أكثر من خمسين فرقة مختلفة وعدداً كبيراً من الألوية المستقلة والوحدات المختلفة، فضلاً عن فيلق ضخم من رجال الحرس الجمهوري، رجال المهمات الصعبة. وتنفيذاً لتوجيهات السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه قلص حجم الجيش بما يتلاءم والحالة الجديدة، ثم أعيد استدعاء الفرق الهيكلية والاحتياطية استعداداً للمعركة الكبرى مع العدو الأمريكي ومن تحالف معه في أم المعارك الخالدة، وبعد انتهاء الصفحة العسكرية في أم المعارك الخالدة أمر السيد الرئيس القائد بإعادة تقليص حجم الجيش بما ينسجم والمرحلة الحالية وبما يؤمن متطلبات السيادة والأمن الوطني.
التسليح والتجهيز
جعلت ثورة 17-30 تموز المجيدة من ضمن أولويات اهتماماتها تعزيز الاستقلال السياسي للقطر، بتنويع التسلح وضرورة بناء صناعة عسكرية متطورة، وكسر العراق طوق احتكار السلاح، وتمكن من بناء علاقات قوية مع دول عديدة شرقية وغربية، مما مكنه من تأمين السلاح والتجهيزات والمعدات الحربية بشروط لا تمس بإرادته وسيادته، وتمكنه من إدامة ألته الحربية ورفد القوات المسلحة بأحدث وأقوى الأسلحة والاعتدة والمتطلبات الأخرى، وبناء قاعدة صناعية حربية ثقيلة لدعم القوات المسلحة بأغلب احتياجاتها.
التدريب
اهتمت القيادة بالتدريب اهتماماً جاداً وأعطته أولوية كبيرة وعدته من المهام الأساسية في بناء القوات المسلحة فشكلت لجاناً للتفقد والمتابعة والفحص، وأصبح التدريب يتابع من أعلى المستويات، واستحدثت مدارس ومعاهد تدريبية لجميع الصنوف تستوعب التوسع والتطور الحاصل.
في بداية قادسية صدام المجيدة توقف التدريب، ولكن توجيهات السيد الرئيس القائد «حفظه الله ورعاه» أكدت أهمية التدريب وضرورة استمراره في جميع الظروف والأحوال.
وبدأت التشكيلات بوضع خطط التدريب التي أعدها المقر العام موضع التنفيذ، فبدأ تدريب الوحدات الماسكة للمواضع الدفاعية في أمكنتها، وحررت وحدات أخرى للتدريب خلف المواضع الدفاعية، واعدت مناهج خاصة للوحدات المستبسلة في القتال والمعاد تنظيمها فضلاً عن تدريب التشكيلات والوحدات المشكلة حديثاً، وأعيد النظر في نشرة تدريب المقر العام بما يلائم ظروف قواطع العمليات وتطور المراحل التي مر بها السوق العسكري العراقي، واعدت وطبقت تمارين تعبوية كثيرة كانت نتائجها توظف في تحسين الأداء القتالي للقوات المسلحة وتطويره مما فلق قدرة عالية، وكفأة للقوات المسلحة شكلت نوعاً من مضاعفات القوة التي كانت احد عوامل النصر في قادسية صدام المجيدة والصمود الفعال في أم المعارك الخالدة.
تطوير القوة الجوية والدفاع الجوي
ابتدأت مسيرة القوة الجوية بأولى خطواتها عندما هبطت في مطار بغداد خمس طائرات تدريب صغيرة يقودها طيارون عراقيون بتاريخ 22نيسان 1931ولم تتطور القوة لجوية العراقية إلى المستوى المطلوب الأبعد ثورة 11-30 تموز المجيدة، إذ أولت قيادة الحزب والثورة اهتماماً ورعاية خاصة بالقوة الجوية، وحظيت بدعم مباشر من لدن السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه، فشكلت تشكيلات عديدة من الأسراب المقاتلة المجهزة بأحدث الطائرات (المقاتلة والقاصفة والاستطلاع والنقل) بعد ان كانت قبل الثورة تضم أعداداً قليلة من الأسراب المجهزة بطائرات قديمة لا تواكب المهام المطلوبة. وقد ركزت قيادة الثورة في تسليح القوة الجوية وتجهيزها بأحدث الطائرات والتجهيزات لتتمكن من انجاز مهامها الوطنية والقومية، كما رفد دفاعنا الجوي بأحدث الأسلحة الدفاعية من الطائرات والصواريخ ضد الجو ومدفعية مقاومة الطائرات، وزيادة تشكيلاتها المقاتلة لتأمين شبكة دفاعية فعالة لحماية سماء الوطن وأهدافه الحيوية، ورافق هذا التوسع والتطور في القوة الجوية والدفاع الجوي اهتماماً كبيراً برفع كفاءة منتسبي هذا السلاح باستخدام أفضل الصيغ والأساليب العلمية في التدريب واكتساب المهارة الفنية والقتالية، وفي قادسية صدام المجيدة اثبت هذا السلاح قدرة كبيرة في الدفاع عن الوطن وتقديم الإسناد الفعال لقواتنا المسلحة طوال 8سنوات، إذ فرضت قواتنا الجوية سيطرتها على سماء المعركة، وأسهمت في تحطيم مرتكزات العدوان والوصول إلى ابعد نقطة في العمق الإيراني ومن دواعي الفخر للقوة الجوية ان يصفها السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه بقوله "للقوة الجوية راية عالية في القوات المسلحة".
وعندما ابتدأت المنازلة الكبرى في أم المعارك الخالدة في 17كانون الثاني 1991، وعلى الرغم من التفوق التقني والكمي المعادي، تمكنت طائراتنا ودفاعاتنا الجوية من إسقاط عدد كبير من طائرات وصواريخ العدوان الموجهة في أثناء تلك المواجهة وبعدها في الرجعات الثلاث في أعوام 1993، 1995، 1999. وفي 1 شباط 1993شكلت قيادة الدفاع الجوي، إذ وضعت صيغ وأسس جديدة لتحقيق المهام السوقية لعمل الدفاع الجوي على نحو يحقق الغاية المتوخاة.
تطوير القوة البحرية
شكلت القوة البحرية العراقية باسم القوة النهرية عام 1931وكانت تضم أربعة سفن دورية، وبعد قيام ثورة 14تموز 1958زودت البحرية العراقية بستة زوارق طوربيد وثلاث سفن مقاومة للغواصات وبعض زوارق الصواريخ وكاسحات الألغام سوفيتية الصنع و بعد قيام ثورة 17-30 تموز المجيدة اهتمت قيادة الحزب والثورة بالقوة البحرية لأهمية الخليج العربي ولتجسيد الدور القومي الذي يضطلع به العراق في حماية أشقائه في الخليج العربي في ضوء غياب قوة بحرية مربية ووجود قوات بحرية أجنبية. فوسعت القوة البحرية وجهزت بأحدث القطع البحرية المتطورة ومن مناشئ مختلفة كان للقوة البحرية دور مشرف في قادسية صدام المجيدة، إذ دمرت عدداً كبيراً من قطع الأسطول الإيراني وهاجمت الموانئ الإيرانية وقطعت خطوط المواصلات البحرية في شمالي الخليج العربي وأغلقت ميناء بندر خميني والممر الملاحي في خور موسى، وحمت مياهنا الإقليمية وسواحلنا من الهجمات المعادية ببسالة استحقت وصف السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه لرجال البحرية لم بالرجال الشجعان لم، وقد شاركت القوة البحرية في المنازلة الكبرى أم المعارك الخالدة، وعلى الرغم من إمكانيات العدوان الثلاثيني البحرية المتفوقة تمكنت بحريتنا من زرع الألغام البحرية في الخليج العربي، وقد دمر بعضها عدداً من سفن الأعداء وأطلقت الصواريخ البحرية وأصابت السفن المعادية، في حين أسقط الدفاع الجوي للقوة البحرية عدداً من الطائرات المعادية، كما أسهمت تشكيلات قيادة القوة البحرية ومنتسبوها في القضاء على المخربين في صفحة الغدر والخيانة.

الجيش الشعبي
تأسس الجيش الشعبي في 8 شباط 1970 تكريماً لذكرى ثورة الثامن من شباط 1993(ثورة 14رمضان). ويعد الجيش الشعبي مؤسسة حزبية ذات مهام من طبيعة عسكرية بالدرجة الأولى، تضم المقاتلين من الحزبيين على اختلاف أعمارهم ووظائفهم ودرجاتهم الحزبية ولها أهدافها وأنظمتها الخاصة وبرامجها التدريبية وهيكلها وحددت أهداف الجيش الشعبي بنوعين من الأهداف كالآتي:
أ- أهداف فنية قتالية: بوصفه منظمة ذات طبيعة عسكرية، وتغلب على هذه الأهداف الصفة الفنية أي امتلاك المهارات العسكرية اللازمة لأي تنظيم عسكري. ومن أهم هذه الأهداف ان يكون ذراعاً إضافياً للحزب ليسهم في حماية الثورة والدفاع عن مكتسباتها من تأمر القوى المحلية المضادة التي تقف وراءها جهات استعمارية معادية تسعى إلى عرقلة مسيرة الثورة، وان يتحول في ظروف الحرب إلى ظهير للقوات المسلحة ليحمي الجبهة الداخلية والمرافق الحيوية في الاقتصاد والخدمات العامة من التخريب، وفي قادسية صدام المجيدة تجاوز الجيش الشعبي هذه المهمات وأسهم إسهاماً فعالاً في جبهات القتال منذ أوائل شباط عام 1981حتى وقف إطلاق النار في 8أب 1988. وتعد هذه التجربة حالة جديدة ينفرد بها الجيش الشعبي في العراق عن تجارب الجيوش الشعبية في العالم. وهذا يجعل من بين أهداف الجيش الشعبي أعداد المناضلين أعداداً عسكرياً وتأهيلهم بالمهارات القتالية لكي يسهموا في النضال مع شعبنا العربي في كل مكان.
ب - أهداف ذات طبيعة تربوية: تسعى إلى تعميق الروح المبدئية لدى الحزبيين ورفع درجة استعدادهم للتضحية والنضال وتنمية الشخصية النضالية المستعدة لمواجهة الظروف الصعبة سواء في العراق أم في الوطن العربي.
فدائيو صدام
تشكلت قوة فدائيي صدام بتاريخ 7 تشرين الأول 1994في اثر فكرة طرحها الأستاذ عدي صدام حسين، وعرض الموضوع على أنظار السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه وحصلت موافقة سيادته على المضي في استكمال عمليات التطوع والتدريب فوراً وان يكون الغاية والأهداف لها أهدافها وأنظمتها الخاصة بها وبرامجها التدريبية وهيكلها التنظيمي.

الغاية والأهداف
إن تشكيل قوة متطوعين وطنية تأخذ على عاتقها جانباً من مهام الدفاع عن الوطن والشعب ضمن فكرة أساسها ان يكون لكل قوة في الشعب ميدانها الوطني ودورها في حماية الوطن والشعب من أي مؤامرة أو فعل أجنبي ومن أي عبث في الحياة الداخلية وتهدف قوة فدائيي صدام إلى إعداد مقاتلين مؤمنين بالله والوطن والقائد، وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي، وثورة 17- 30 تموز العظيمة، وتأخذ على عاتقها الدفاع عن العراق العظيم وانجاز ما تكلف به من مهام قتالية في مختلف الظروف والأحوال وبكفاءة عالية ضد أي تأمر أو عدوان خارجي.
تجربة تدريب الشعب
في 16كانون الثاني 1998 وجه السيد الرئيس القائد حفنه الله ورعاه رسالة إلى أعضاء قيادة قطر العراق كان من مضامينها (ان نظهر جانباً أساسياً من تصميم الشعب بقيادة البعث العظيم على القتال ليكون العراق ويبقى كما ينبغي ان يكون ويبقى بأذن الله.
وان نحشد للتدريب قوى أساسية... وان نحشد بالقناعة والتطوع وليس بالأوامر ما يمكن ان نستوعبه في الإعداد والتهيؤ..وبمشاركة الرجال والنساء من كل الأعمار القادرة على التدريب وحمل السلاح) وتدافعت جماهيرنا المناضلة متطوعة للتدريب من أبناء الشعب وماجداته يتقدمهم أعضاء القيادة في الحزب وكبار المسؤولين والوزراء. وشكلت لجنة عليا برئاسة الرفيق طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية وعضوية السادة وزراء الدفاع والمالية والتجارة والنفط والصناعة والمعادن وبمساهمة من الرفيق علي حسن المجيد عضو قيادة قطر العراق والسادة المسؤولين بأعلى المستويات إضافة إلى مساهمة اللجنة الاقتصادية بهذا العمل لفرض تخصيص الأموال اللازمة وتوفير وتأمين التجهيزات والمستلزمات المطلوبة والإشراف على هذه المهمة الوطنية الكبيرة.
الغاية والأهداف
إن حملة التدريب جاءت تنفيذاً لتوجيهات السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه، وتهدف إلى رفع الاستعداد القتالي وتحشيد كل الطاقات البشرية لمواجهة العدوان المحتمل على قطرنا.

خطط التدريب ومناهجه
تنفيذاً لهذه المهمة النبيلة وضعت وزارة الدفاع الخطط والسياقات اللازمة وشكلت العديد هن لجان الإدارة والإشراف والمتابعة والفحص واللجان الإعلامية في بغداد والمحافظات وهيئ المعلمون والمشرفون والأسلحة ومدخرات التدريب والتجهيزات بما يضمن نجاح عملية تدريب الشعب الظهير المضموم إلى القوات المسلحة البطلة ووضعت التوقيتات الملائمة التي تضمن استمرار الأعمال الوظيفية وانسيابيتها ومراعاة مهام الماجدة العراقية تجاه أسرتها. اما مناهج التدريب التي وضعت بعناية فركزت في تنوع التدريب وشموليته بما يضمن تدريب المشاة الأساسي والأسلحة الخفيفة والساندة والقتالات الخاصة والتعبئة الصغرى ومسير الاستعراض. وقد تميزت وزارة الدفاع بتنفيذ هذه الحملة الكبيرة برغم قصر الوقت الذي تيسر لها فقامت باستحضارات سريعة جداً وبذلك تمكنت من تأمين هذا الحجم الهائل من المعلمين والمشرفين ومئات الآلاف من الأسلحة وملايين التجهيزات والمستلزمات الأخرى بالتعاون مع اللجنة العليا سالفة الذكر واللجنة الاقتصادية وبهذا أمنت نجاح المهمة، كان دور الضباط وضباط الصف المتقاعدين والمتسرحين متميزاً إلى الدرجة التي استحقوا فيها إشادة السيد الرئيس القائد حفظه الله ورعاه بهم.
رعاية الرئيس القائد لحملة التدريب
حظيت هذه الممارسة النضالية بالرعاية الكريمة من لدن السيد الرئيس القائد حفظه الله، وأشاد سيادته بالمستوى الذي تحقق من الاقتناع والحماس والرضا والحالة الطوعية والالتزام والانضباط وأشاد بدور أعضاء القيادة ومجلس الوزراء ومن هم بدرجة وزير ووصفهم قائلاً (.... كنتم قدوة في المسؤولية والانضباط والحالة الوطنية).
كما أمر سيادته بتخصيص مبالغ مجزية للمتقاعدين من الضباط والمراتب الذين دربوا الشعب، ومن فيض كرمه المعتاد أمر بتكريم الطلبة بإضافة خمس درجات لأغراض النجاح والمنافسة وإعادة المرقنة قيودهم بسبب تجاوزهم السقف الزمني إلى الكليات والمعاهد هذا العام والعام المقبل، وترتيب حقوق مجزية للمتوفين والجرحى والمعوقين في أثناء التدريب، فضلاً عن تزويد من أنهى التدريب بهوية خاصة لكي يشعر بالفخر والحماسة والاعتزاز الوطني.
بلغ عدد أبناء الشعب الذين دربوا ثلاثة ملايين مقاتل شملت شرائح الشعب العراقي كافة من شيوخ وشباب وأشبال وماجدات وتوجت هذه العملية الرائدة باستعراض يوم النخوة في بغداد والمحافظات الأخرى في 18نيسان 1998برعاية السيد الرئيس القائد المهيب الركن صدام حسين حفظه الله. وكان استعراضاً رائعاً حاز إعجاب الحضور وعلى رأسهم الرئيس القائد حفظه الله إذ منح سيادته الضباط وضباط الصف المتقاعدين الذين أسهموا في التدريب تكريماً خاصاً بتشكيل دائرة ترتبط بديوان الرئاسة تسمى (دائرة مدربي بوم النخوة). ويعاد إلى الخدمة فيها جميع الضباط وضباط الصف والمراتب المتقاعدين والمتسرحين الذين قاموا بتدريب الشعب في يوم النخوة استثناء من جميع القوانين بما في ذلك شرط السن القانونية وتعديل رواتبهم ومخصصاتهم وكأنهم عائدون إلى الخدمة في الجيش.
المهام الوطنية والقومية
بعد ثورة 17-30 تموز 1968 استمرت حركات التمرد في المنطقة الشمالية حيث بلغت درجة كبيرة من التعقيد بسبب التدخلات الأجنبية إذ استمرت الصراعات المسلحة حتى صدور بيان الحادي عشر من آذار 1970 واعلن ابتداء مرحلة لإعادة السلام والطمأنينة إلى ربوع شمالنا الحبيب عدا بعض الحالات التي لا تستحق الذكر وكان جيشنا لها بالمرصاد.
وبعد إعلان قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق في آذار 1974الذي خيب آمال التحالف الصهيوني الامبريالي أعلن تمرد مكشوف على نطاق واسع وبدفع وإسناد من شاه إيران لاستنزاف الثورة ومكتسباتها وإعادة الوضع الشاذ إلى شمال الوطن إلا ان جيش العراق قام مرة أخرى بدوره في التصدي لهذه الحالة على مدى 12شهراً من القتال العنيف وبخطة محكمة تضمنت ثلاث مراحل، كانت الأولى فتح الطرق إلى المحافظات والاقضية والوحدات المحاصرة، وكانت الثانية تطهير المناطق التي يجري التمرد فيها وقد انتهت في آذار 1975مع إعلان اتفاقية الجزائر.
قادسية صدام حسين
أنهت اتفاقية الجزائر في 6 آذار 1975 حقبة من الصراع المستمر بين العراق وإيران، وسرعان ما أقدمت إيران على نقض هذه الاتفاقية عملياً بعد مجيء خميني إلى السلطة في إيران عام 1979، وبدأ بإظهار عدوانيته تجاه العراق، وفي 4ايلول 1980 قصفت المدفعية الإيرانية الثقيلة مدن خانقين ومندلي وزرباطية ومنطقة نفط خانة، وكان هذا العدوان معززاً بحشود عسكرية على الحدود العراقية وداخل الأراضي العراقية في (زين القوس وسيف سعد وهيلة وخضر) وكان هذا التصرف من الناحية الواقعية يعني إعلان الحرب، فقررت القيادة العراقية معاملة إيران بالمثل وإبعاد المدفعية الإيرانية عن المواقع التي يمكن ان تصيب منها المدن العراقية.
وكان هذا يتطلب تحرير منطقة زين القوس العراقية التي تحتلها إيران.
وفي يوم 6ايلول 1980 حررت القوات المسلحة منطقة زين القوس، وفي الأيام اللاحقة حتى 19 أيلول 1980  استعيدت كل الأراضي والمخافر الحدودية التي كانت تسير عليها إيران بوسائل غير مشروعة. وفي 22ايلول شرعت قطعاتنا في التعرض في إطار سوق دفاعي، بعد ظهور النوايا العدوانية للنظام الإيراني وعدم استجابته لدعوة العراق إلى الحوار والسلام واحترام حسن الجوار، وعلى مدى ستة أيام من الاندفاع البطولي وصلت قطعاتنا الباسلة إلى الأهداف المرسومة بما يؤمن إبعاد ساحة الاشتباكات عن مدننا الحدودية، واتخذت مواقع دفاعية في العمق الإيراني، وفي يوم 28ايلول 1980 دعا السيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله في خطابه التاريخي النظام الإيراني إلى إيقاف القتال وتسوية المشكلات القائمة بين العراق وإيران، ولكن هذا النظام استمر على تعنته وعدوانيته، وواصلت قطعاتنا صد تعرضاته وتكبيده خسائر فادحة.
وفي 20 حزيران 1982قررت القيادة سحب قواتنا المسلحة إلى داخل حدودنا الدولية لأسباب سوقية وسياسية وتم ذلك في 29حزيران 1982، حيث بدأت قواتنا بمرحلة جديدة متمثلة بالدفاع عن الحدود الوطنية، واستمر ذلك حتى بداية معارك التحرير الكبرى، في 17نيسان 1988بدأت مرحلة حسم الحرب إذ تمكنت قواتنا الباسلة من تحرير الفاو (مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم) بعد ان تمكن العدو الإيراني من احتلالها في ظروف معينة عام 1986، واستمرت فيما بعد معارك التحرير والحسم بعمليات توكلنا على الله الأولى والثانية والثالثة والرابعة ومعارك محمد رسول الله التي استمرت حتى 1 أب 1988، فتمكنت قواتنا من تحرير أراضينا كافة وتحطيم الآلة الحربية الإيرانية واسر الألوف من أفراد قواتها المعتدية والاستيلاء على أعداد ضخمة من الأسلحة والمعدات والعتاد، فاضطر النظام الإيراني إلى إعلان موافقته ملى القبول بقرار وقف إطلاق النار الصادر من مجلس الأمن الدولي ذي الرقم (598) بعد ان استمر على رفضه عاماً كاملاً.
وهكذا جسدت قواتنا الباسلة انتصاراً قل نظيره في التاريخ العسكري وخرج العراق بقوة لها تأثيرها الواضح على الصعيد الإقليمي والدولي في المنطقة، بعد ان قدمت قواتنا المسلحة تضحيات غالية على مدى ثمانية أعوام من الحرب الضروس التي فرضت على قطرنا المناضل الذي حرس بكل شرف وأمانة البوابة الشرقية للأمة العربية.
أم المعارك الخالدة
لا يختلف اثنان في ان خروج العراق منتصراً في معركة قادسية صدام المجيدة يوم الثامن من أب عام 1988 غاظ الأمريكان والصهاينة والدائرين في فلكهم وجعلهم يعيدون حساباتهم في إثارة أذنابهم ليبدأوا عدواناً جديداً على العراق لتحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقاً في قادسية صدام المجيدة، وهذا دفعهم إلى القيام بعدوان مباشر على العراق.
إن العدوان على العراق لم يبدأ في 17كانون الثاني 1991مثلما يتصور بعضهم، فهو حلقة من مسلسل التأمر المستمر على العراق منذ قيام ثورة 17-30 تموز المجيدة التي ضربت المصالح الغربية بدءاً بتأميم النفط حتى يوم الأيام.
مرة أخرى قام جيش العراق العظيم بدوره المعهود في التصدي للعدوان مهما كان حجمه وقوته، فقد اثبت جيش العراق ان منازلة أم المعارك الخالدة تعد الأولى من نوعها في العالم كله إذ لم يحدث ان تعرضت دولة واحدة بمفردها لعدوان ثلاثين دولة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية مستخدمة احدث الأسلحة وبتقنيات متطورة وبحشد بشري قارب المليون مقاتل.
على الرغم من الاختلاف الكبير في مقارنة القوات التي تفوق الحسابات التقليدية واستمرار القصف الجوي الوحشي (43) يوماً إذ بلغ وزن المقذوفات التي ألقاها العدو على العراق أكثر من مائة ألف طن فقد تمكن جيش العراق وقواته المسلحة من التصدي لهذه الهجمة وإسقاط العديد من طائرات العدو وصواريخه وإيقاع الخسائر في صفوفه واسر العديد من أفراده.
وعلى الرغم من مرور أسبوعين على القصف الوحشي وامتلاك العدو تقنيات عالية في الكشف والاستشعار وتفوقه الجوي قامت قواتنا البطلة بعدة عمليات تعرضية على قوات التحالف المعادي في أكثر من قاطع لجر العدو إلى معركة برية سريعة وإيقاع اكبر ما يمكن من الخسائر به إذ تعرضت الفرقة الآلية الخامسة على مدينة الخفجي داخل العمق السعودي في 29كانون الثاني 1991وتمكنت من السيطرة على المدينة واسر من كان فيها والاشتباك مع القوات المعادية على هذا المحور.
وساندت هذه العملية قطعات أخرى من الفرقة الآلية الأولى على مخفر شايع - الحدود الدولية، والفرقة المدرعة الثالثة على محور الوفرة - مخفر ضليعات السور السعودي والاندفاع إلى مسافة 25كم داخل العمق السعودي، والفرقة المدرعة السادسة على محور مخفر الرقعي السعودي بعمق 12كم.
وقامت قطعات الفيلق السابع أيضاً بعملية تعرضية بمستوى فرقة (ناقص) على محور النخيب - عرعر قبل يوم واحد من عملية الخفجي.
وبعد سحب قطعاتنا من الكويت اشتبكت قطعات التحالف العدواني مع قوات الحرس الجمهوري البطلة وتكبدت خسائر جادة وخشية من التورط في معارك المدن التي ستكون في غير مصلحته، اضطر العدو إلى إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في 28شباط 1991 ليبدأ صفحة جديدة في صفحة الخيانة والغدر التي اثبت فيها جيشنا الباسل قدرته على الدفاع عن وحدة العراق ومصالحه الوطنية.
لقد تمكنت قواتنا المسلحة من إثبات قدرتها وهويتها الوطنية في الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية في الرجعات الثلاث من خلال ما تفتعله الإدارة الأمريكية والصهيونية من ذرائع لتبرير عدوانها على قطرنا المناضل.
المشاركة في حرب أكتوبر 1973
في الساعة 1405 يوم 6 تشرين الأول 1973 اندلعت الحرب على الجبهتين المصرية والسورية مع الكيان الصهيوني وعلم العراق بذلك عن طريق الإذاعات ووسائل الإعلام الأخرى، فقررت القيادة السياسية في العراق المشاركة في هذه المعركة القومية وصدرت الأوامر والتوجيهات إلى قواتنا المسلحة بالحركة فوراً إلى الجبهة السورية.
ووصل الجهد الجوي المخصص يوم 7 تشرين الأول إلى الجبهة السورية وشارك فوراً في المعارك الجوية فضلاً عن اشتراك الجناح الجوي الموضوع بأمرة القيادة المصرية منذ نيسان 1973في المعركة مع القوة الجوية المصرية. وشرعت القطاعات العراقية في الحركة يوم 7 تشرين الأول نحو الجبهة السورية وتكامل وصول اللواء المدرع (سمي فيما بعد لواء ابن الوليد) يوم 11تشرين الأول وشرع في التصدي فوراً للقوات الصهيونية التي كانت تقاتل على مشارف دمشق بعد ان امتصت زخم الهجوم السوري وتحولت إلى التعرض على القوات السورية واستمر تحشد القوات العراقية في  هذه الجبهة حتى بلغت فرقتين مدرعتين (الثالثة والسادسة) ولواء قوات خاصة ولواءي مشاة وعدة سرايا مغاوير ووحدة صواريخ (م دب) إضافة إلى العديد من الوحدات الإدارية والخدمات وسرايا النقلية المحملة بالعتاد، وبلغ الجهد الجوي أربعة أسراب قاصفات / مقاتلات بكامل خدماتها وعناصرها الأرضية. لقد ضربت القوات العراقية مثلاً رائعاً للمعنويات العالية والاندفاع الكبير والقتال الباسل، على الرغم من تنقل اغلب قطعاتنا المدرعة على السرف مسافات بلغت ألف كيلو متر أحياناً، وشكل التحشد السوقي لقواتنا على الجبهة السورية مفاجأة كبرى للقيادة الصهيونية وقلب خططها لاحتلال دمشق رأساً على عقب، واسهم في تخفيف الضغط على الجبهة المصرية وقلب موازين القوى لمصلحة القوات العربية بعد ان اختل توازنها بفعل الدعم الأمريكي السريع للكيان الصهيوني، مما حداه إلى الإسراع في طلب وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه القيادتان المصرية ثم السورية، فلم تجد القيادة العراقية بعد ذلك مبررا لبقاء القوات العراقية المسلحة في الجبهة السورية فبادرت إلى سحبها بعد ان أدت دورها القومي ببسالة وشرف وحمت دمشق من السقوط.



الفصل الثالث عشر
معركة قادسية صدام

على مدى التاريخ، اتسمت العلاقات العراقية - الإيرانية بالتوتر وعدم الاستقرار، فمنذ عهد سحيق وبلاد فارس تواقة دائماً إلى التوسع الإقليمي على حساب جيرانها وبالتحديد العراق، مما ولد إرثاً متراكماً من العلاقات السلبية بينهما.
وبعد ثورة ( 17-30) تموز 1968، مارس الشاه ذات السياسة التوسعية التي دأب عليها أسلافه من الأكاسرة بعد ان أنيط به دور الدركي في الخليج العربي لحفظ المصالح الغربية، وهو ما تواءم تماماً مع الإطماع التوسعية له، وكان من بين مهامه التقليدية مواجهة الحركات القومية والتحررية في المنطقة، وهذا يعني على وجه التحديد ممارسة دور مخلب القط لمواجهة المشروع الحضاري القومي لثورة تموز، فكان جراء ذلك ان شهدت علاقات البلدين توتراً واسعاً من خلال التدخل الإيراني في شؤون العراق والعمل على تقويض وحدته الوطنية، وقد تمثلت اخطر حلقاته بالدعم العسكري والسياسي الكبير الذي قدمه لقيادة التمرد الكردي في شمالي العراق لإلهاء القيادة السياسية وأشغالها عن ممارسة الدور القومي والتنموي للعراق الذي بدأ يقلق دولاً عديدة في المنطقة وخارجها.
وفي ظل ظروف إقليمية ودولية عقدت الدولتان اتفاقية الجزائر في آذار 1975، وفيها سويت المشكلات الحدودية والأمنية المعلقة بينهما، فشهدت علاقات البلدين استقراراً نسبياً حتى عام 1979، وبدأ العراق يأخذ وضعه الطبيعي المتنامي على الصعيد الداخلي، وفي علاقاته الخارجية.
وفي وهج السقوط المدوي لآخر شاه حجبت الحقيقة بأكثر من قناع، فلم يستطع بعضهم ان يراها، ولم يرد بعضهم الآخر ان يرى، اما الذين استطاعوا رؤيتها ببصيرتهم وملامستها بالوعي والخبرة فأنهم كانوا يبدون نشان أ وسط فراغ الوعي المنبهر. ولم يطل الوقت حتى أطلت الحقيقة برأسها من بين وكام الانفعالات غير العقلانية والهوس المحموم. ثم تبددت الغشاوة بعد ان روج النظام الجديد منذ البدء لأطروحة «تصدير الثورة» وبدأ يمارس أفعالاً عدوانية ويسلك سلوكاً إرهابياً تجاه الدول الإقليمية وبالتحديد الخليجية كشف فيها عن شبه غريب بنظام الشاه السابق.
ولئن كان الشاه يعتقد ان قدرات إيران الجيوبوليتيكية الواسعة تمنحها حقاً مكتسباً في الريادة الإقليمية لممارسة دور الامبريالي -الفرعي، فأن خميني أضاف إلى ذلك فكرة "ولاية الفقيه" العقيمة وقد تصور فيها مركزاً عده طبيعياً في قيادة العالم الإسلامي!!، وقبل ذلك تقويض نظمه السياسية، وعد ذلك «واجباً إلهياً»، اما المرحلة الأولى في ذلك فهو العراق، فكانت قادسية صدام المجيدة التي امتدت مستعرة ثماني سنوات تحولت فيها أراضي البلدين إلى مسرح للعمليات العسكرية، وأصبح العمق الاقتصادي والنفسي والإعلامي امتداداً للجبهة العسكرية، استخدمت فيها القوى البشرية بكثافة وعلى امتداد جبهة بلغت (1180كم )، رافقتها خسائر جسيمة يصعب تصورها. وقد امتازت فيها إيران بتفوق (كمي) في حجم السكان والعمق الحيوبوليتيكي وتعدد المنافذ البرية وطول الحدود البحرية. ومما يلفت النظر ان هذه الحرب التي طالت على نحو لا سابقة له وفي حيوية من العالم، بدت وكأنها منسية، ولم يفعل المجتمع الدولي إزاء طرفها الرافض للسلام شيئاً جاداً يرغمه على قبول السلم، وتركت نتيجتها لتحسم على ارض المعركة.
وفي ختام المنازلة، استطاع العراق ان يحقق النصر النهائي ليترك النظام الإيراني يلعق جراح الهزيمة العسكرية، ويتهاوى نموذجه بعد ان فقد رصيده الشعبي.
أولاً: العراق والنظام الإيراني الجديد: نوايا طيبة، وخبايا شريرة
على الرغم من ان القيادة العراقية كانت قد نظرت إلى ثورة الشعوب الإيرانية 1978 -1979، والى وصول رجال الدين إلى الحكم على انه شأن داخلي فأنها لم تخف ارتياحها للتغير السياسي الذي حدث في إيران، إذ كان يحدوها الأمل بأن يقيم النظام الجديد علاقاته القادمة على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وان يعيد تقويم السياسة المؤذية التي اتبعها الشاه تجاه الأمة العربية، والعراق على وجه اخص.
وكان امن الجمهورية الإسلامية مناسبة أخرى لتأكيد توجهات القيادة العراقية تجاه النظام الجديد في إيران وصدق نواياها، إذ وجه السيد رئيس الجمهورية برقية تهنئة إلى خميني في 5 نيسان 1979عبر فيها مجدداً عن رغبة العراق في إقامة علاقات صداقة وجيرة حسنة تبنى على احترام الخيار الحر للشعوب في تبني النماذج الوطنية على وفق مصالحها المشروعة، وعدو التدخل في الشؤون الداخلية، مؤكداً تطلعه إلى ان يفتح النظام الجديد فرصاً واسعة بما يعزز دور إيران في خدمة السلام والعدل في العالم.
إلا ان تتابع الأيام وتداعي الأحداث فيما بعد كشفا دونما لبس ان النظام الجديد استمراً الأمر وأوغل في عدائه للعراق بعد ان توالت التصريحات والخطب السياسية التحريضية التي كانت تنشرها الصحافة الإيرانية على لسان المسؤولين وفيها تنديد بسياسة العراق وتوجهاته القومية، وإطلاق النعوت الجافية والعبارات النابية على قادته، وتحريض أبنائه لإثارة النعرات الطائفية بهدف قلب نظام الحكم فيه، واخذوا يعلنون رسمياً ما يظهر بجلاء نزعة التوسع الفارسي حين أعاد المسؤولون التذكير بمطالبات الشاه الإقليمية في الخليج العربي. وجاءت سياساتهم هذه على خلاف ما تصوره العديد من أبناء الأمة العربية، فقد تصوروا ان النظام الجديد سيعمل انطلاقاً من طروحاته الدينية، على رفع الحيف الذي لحق بالعرب جراه سياسة الشاه السابقة، فإذا بهم يفاجأون، في وقت مبكر، بان النظام الجديد لا يختلف ابدأ عن سلفه، بل انه لأكثر غلواً عندما بدأت تصريحات مسؤولية تتوالى عن «فارسية العراق »، وما ممدوه «مهمة مقدسة» تقويض نظامه السياسي و «تحرير العراق».
وعلى الرغم من ان القيادة العراقية شخصت بدقة، في ضوء معطيات واقعية حقيقة النهر التوسعي والاستعلائي للنظام الإيراني تجاه العراق والأمة العربية فأنها حاولت إزالة أسباب التوتر ونزع فتيل أزمة مرتقبة، وكانت تأمل بأن تسفر جهودها عن وقف تداعي العلاقات وبأن تراجع إيران مواقفها فير المسؤولة. وكان تقدير القيادة العراقية ان إبداء مظاهر حسن النية وتبادل اللقاءات والمذكرات قد يسهمان في تبديد ظلال التوتر ويساعدان على خلق أجواء ايجابية من الفهم المشترك. لذا فإنها لم تترك آنذاك مناسبة إلا أعلنت من خلالها الحرص الجاد على بناء علاقات جيرة حسنة تستند إلى المصالح الوطنية المشروعة لكلا البلدين، وهو ما أوضحته رسالة السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في 2أب 1979 الموجهة إلى رئيس وزراء إيران مهدي بازر كان يدعوه فيها «لزيارة العراق بهدف التباحث في أوجه العلاقات بين البلدين وتطويرها» وهو ما أكد مجدداً في مؤتمر هافانا لقمة عدم الانحياز حين دعم العراق طلب إيران الانضمام إلى المجموعة، وجدد فيها الرئيس القائد عند لقائه وزير خارجية إيران إبراهيم يزدي الرغبة في ترتيب لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين بغية معالجة مشكلات العلاقة بين البلدين بالطرق الودية.
ثم كان تولي بني صدر رئاسة الجمهورية في إيران فرصة أخرى نقل فيها سفير العراق تمنيات السيد رئيس الجمهورية له بالنجار في مهمته، وان يسعى الرئيس الجديد إلى بناء علاقات مثمرة بين البلدين الجارين تسهم في تعزيز الاحترام المتبادل بعيداً عن التدخل في شؤون الغير.
ولم يقابل المسؤولون الإيرانيون جهود العراق إلا بمزيد من التعنت والغطرسة العنصرية. وقد ترافقت التصريحات السلبية التي أدلى بها رموز النظام الإيراني مع أفعال وسلوك عدواني لا مبرر له منتهكة بذلك القواعد والأعراف الدولية المتعارف ممليها. ومن بين ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، قيام مجموعات من الإيرانيين بدعم علني من المسؤولين بالاعتداء المتكرر على السفارة العراقية في طهران وقنصليتها في المحمرة والمدارس العراقية ومكتب الخطوط الجوية بانتهاك حرمتها والاعتداء على موظفيها واحتجازهم، وفي هذه الاعتداءات مزق العلم العراقي وصور رئيس الجمهورية وكتبت شعارات تحريضية. وعلى الرغم من مذكرات الاحتجاج التي تقدم بها العراق مراراً فأن الحكومة الإيرانية لم تفعل شيئاً إزاءها ولم توفر سبل الحماية اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث بما تفرضه عليها المواثيق الدولية.
ولم يقف الأمر عند ذلك، وإنما أوغلت إيران في عدائها عندما أرسلت مجاميع من جواسيسها وعملائها للقيام بأعمال التخريب وزعزعة الاستقرار الداخلي وإثارة فتنة طائفية مقيتة في العراق، وكان من بين أعمال هؤلاء المأجورين القيام بتفجيرات في مناطق شتى في أنحاء العراق وقذف زوار العتبات المقدسة بحامض النتريك ودس السم في الأغذية والمياه التي كانت تجهز لزوار مراقد الأئمة (ع) في كربلاء والنجف والكاظمية في المناسبات الدينية، فضلاً عما كانت تبثه الإذاعة الإيرانية الناطقة بالعربية والتي كرست برامجها لتحريض العراقيين على حكومتهم بهدف تقويض النظام السياسي، ومن ذلك أيضاً التعليمات المذاعة عن كيفية صنع القنابل محلياً وداخل البيوت لاستخدامها في ترويع السكان الآمنين وزرع بذور عدم الثقة بين القيادة والشعب، ولم يجد نفعاً تنبيه القيادة العراقية عبر مذكرات رسمية إلى المخاطر التي يمكن ان تسفر عن هذه الأساليب على علاقات البلدين.
ثم دفعت إيران بأجواء التوتر إلى أقصى مدى حين أوعزت إلى ثلة من عملائها بالقباء متفجرات على اجتماع طلابي واسع في الجامعة المستنصرية في الأول من نيسان 1980 كان يحضره عدد من المسؤولين العراقيين وضيوف أجانب، وكاد يذهب ضحيته السيد نائب رئيس الوزراء، واستشهد جراء العملية عدد من الأبرياء وجرح آخرون، وكررت إيران العملية نفسها في 5 نيسان في أثناء موكب تشييع شهداء الحادث عندما ألقيت على الموكب قنبلة من المدرسة الإيرانية بإشراف المستشار الثقافي للسفارة الإيرانية ببغداد، كما جرت محاولة فاشلة في 12نيسان لاغتيال السيد وزير الثقافة والإعلام.
وعلى صعيد أخر، فأن إيران كانت قد عملت منذ وقت مبكر من مجيء رجال الدين إلى السلطة فيها على انتهاك حدود العراق وأجوائه ومياهه الإقليمية بمختلف الوسائل، حتى بلفت تلك الانتهاكات منذ 23شباط 1979حتى 22ايلول 1980 ما مجموعه 548 انتهاكاً وثقت عبر 147مذكرة رسمية وجهت إلى الحكومة الإيرانية، واستدعي السفير الإيرانيً في بغداد إلى الخارجية العراقية عدة مرات وأبلغ فيها بضرورة تنبه المسؤولين في بلاده إلى خطورة هذه الانتهاكات وما يمكن ان تؤدي إليه من عواقب وخيمة.
وطالب العراق بإزالة التجاوزات الحاصلة على أراضيه وتطبيق إيران ما يتعلق بمسؤوليتها حيال اتفاقية الجزائر 1975، غير ان الحكام الإيرانيين سدوا أذانهم، بل ذهبوا أبعد من ذلك، إذ أعلنوا مرات على لسان العديد من المسؤولين عن تنصلهم من الاتفاقية كما جاء في تصريح لوكيل وزير الداخلية الإيراني «ان الحكومة الإيرانية لا تتمسك بهذه الاتفاقية»، مما دفع الحكومة العراقية إلى ان تطلب في مذكرة رسمية في 27/6/1979من السفارة الإيرانية في بغداد ان توضح موقف الحكومة الإيرانية الرسمي من اتفاقية آذار 1975، غير ان إجابة ما لم ترد، وإنما جاءت الردود على لسان مسؤوليهم في «أنهم لا يعترفون ببيان الجزائر» وان هذا الاتفاق ليس في مصلحة إيران و«انه عقد في ظل نظام سابق بائد».
ومع ان القيادة العراقية كانت متمسكة بحقوق العراق الثابتة بمقتضى اتفاقية الجزائر، إلا أنها كانت ترى - بادئ الأمر- ان النظام الجديد يحتار إلى وقت لاستقراره الداخلي، وعلى هذا الأساس لم يثر العراق مسألة هذه الحقوق متوخيا إعطاء هذا النظام الفرصة الكافية لترتيب أوضاعه حتى يتسنى له ان يفي بالتزاماته الدولية التي ورثها، غير ان النظام الإيراني قابل هذا التسامر بمزيد من العنت حين أعلن تنصله من الاتفاقية وما تفرضه من التزامات متقابلة كان العراق قد وفى بها.
ولئن كانت إيران قد نقضت اتفاقية الجزائر رسمياً وعملياً، فإنها من جانب أخر، اقترفت من الأعمال ما اخل بنص الاتفاقية قانوناً من خلال انتهاكها مبدأ قدسية الوفاء بالعهود بين الدول، فالاتفاق يشير إلى ان تخطيط الحدود البرية والنهرية وإشاعة السلم والاستقرار بين البلدين عنصران يكمل احدهما الآخر. وهو ما  لم تلتزم به إيران البت الفقرة الرابعة من الاتفاقية نفسها تشير إلى ان الطرفين يعدان الاتفاق كلاً لا يتجزأ لحل شامل، وان أي مساس بمقوماته يتنافى مع روح الاتفاقية، فأن إيران تكون عند ذاك قد ألغت الاتفاقية عملياً وقانونياً، ولذا فأن إعلان العراق في 17/9/1980، ان الاتفاقية ملغية يكون تحصيلاً لتنصل إيران من أداء  التزاماتها الناشئة بموجب الاتفاقية.
4/9/1980 و22/9/1980 عدوان مسلح، ورد مقتدر
لا يمكن فصل العدوان الإيراني في 4/9/1980 عما سبقه من انتهاكات وتجاوزات متكررة، إلا ان إيران في هذا التاريخ بالتحديد صعدت وتائر الخلاف مع العراق إلى حد خطير وانتقلت إلى موقف أكثر عنفاً حياله عندما أقدمت على ضرب المدن والقرى والمخافر الحدودية بالمدفعية الثقيلة (خانقين، مندلي، زرباطية،...) وهي مدن أهلة بالسكان المدنيين، وقامت بعمليات عسكرية واسعة النطاق استخدمت فيها مختلف منوف قواتها المسلحة مستهدفة المنشآت والأراضي العراقية، وحشدت قطعاتها على طول خط الحدود الفاصل بين الدولتين، وعطلت الملاحة في وجه البواخر العراقية وأغلقت الأجواء الإيرانية، مما يؤكد على نحر واضر تصميم النظام الإيراني على توسيع دائرة النزاع الناشب إلى حرب شاملة ضد العراق. ويكفي دليلاً مملى ذلك البيانات العسكرية الثمانية التي أصدرتها إيران قبل 22/9/1980، وقد جاء في الأول منها الصادر في 18/9/1980«ان القوات الإيرانية دمرت المنشات النفطية داخل الحدود العراقية »، وجاء في البيان الثالث الصادر في 19/9/1980 انها «استخدمت القوة الجوية في العمليات العسكرية ضد العراق»، اما البيان السابع الذي صدر في 21/9/1980، فقد أعلنت فيه إيران النفير العام تنفيذاً لأمر رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية.
ولم يكن إقدام العراق على تحرير أراضيه المحتلة زين القوس في 7/9/1980 وسيف سعد في 11/9/1980، ومن ثم استعادة ما تبقى من الأراضي المحتلة والمثبتة في  الاتفاقيات الدولية في 16/9/1980 إلا جزءاً من أجراء وطني كان الهدف منه مواجهة مماطلة إيران في إعادتها بالطرق الطبيعية، وإبعادها من سيطرة القوات الإيرانية التي كانت تستخدمها في قصف المدن العراقية، إذ ان الأمر من دون ذلك كان سيمني القبول بنقل ساحة الحرب التي أعلنتها إيران في 4ايلول إلى أراضيه.
وفي حين كان النظام الإيراني يسرف في استخدام القوة المسلحة بالاعتداء على السيادة العراقية ويسعى بمختلف السبل إلى تصعيد حمى التوتر، ظل العراق يتعامل بحرص شديد على ان تكون هناك وسيلة تحول دون تحول الموقف إلى حرب. ولذا استمرت وزارة الخارجية على تقديم المذكرات إلى سفارة الجمهورية الإيرانية في بغداد تنبهها إلى تجاوزات النظام الإيراني، بل انها في إحدى هذه المذكرات ذهبت إلى ابعد من ذلك بكثير، والى احتمال ألا يكون النظام الإيراني منتبهاً إلى تجاوز قواته على الأراضي العراقية خلافاً للقانون ولما بين الطرفين من اتفاقات، كما جاء في المذكرة المؤرخة في 11/9/1980. ولم يكتف العراق بذلك، وإنما دأب على لفت أنظار المجتمع الدولي إلى مشكلة أساسية بدأت تتصاعد على نحو يهدد السلم والأمن الدوليين بخطر جاد عن طريق المذكرات التي وجهت إلى السكرتير العام للأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإقليمية، كما جاء في المذكرة المؤرخة في 14/ 9/1980 التي أوضح فيها «منذ ان ساءت العلاقة بين العراق وإيران كانت تقع حوادث على الحدود تقوم بها القوات الإيرانية كالاعتداء على الأفراد والتسلل والتخريب، وكانت هذه الحوادث محدودة النطاق ومحلية استمرت على هذا المنوال حتى يوم 4/9/1980 حيث حدث تطور خطير إذ بدأت القوات الإيرانية تستخدم المدفعية الثقيلة لضرب الأهداف المدنية »، وقد جاء موقف العراق من العدوان الإيراني في ذات المذكرة التي أكد فيها انه «في الوقت الذي ينشد فيه السلام والاستقرار في المنطقة فأنه سيرد على أي تجاوز أو اعتداء مسلح يقع على أراضيه ومواطنيه استناداً إلى حق الدفاع الشرعي الذي يقره القانون الدولي».
كما بعث برسالة أخرى إلى الهيئة الدولية في 21/9/1980 ذاكراً فيها «ان الحكومة الإيرانية لم تنفك عن إساءتها لعلاقات حسن الجوار سواه من خلال ممارسة أعمال التسلل أم التخريب وإثارة القلاقل والفتن والنهب والسلب في المناطق الحدودية فضلاً عن إعلانها عن مطالبات إقليمية جديدة شملت حتى عاصمة العراق»، وقد جاء فيها إعلان الحكومة العراقية «انها تتطلع إلى الحفاظ على علاقات طيبة بجميع الدول المجاورة بما فيها إيران بشكل خاص، وان ليست لديها أية مطامح إقليمية في إيران».
إلا ان تعنت النظام الإيراني في مواجهة دعوات العراق المخلصة لتفادي الحرب كان قد وضع القيادة العراقية أمام خيارين لا ثالث لهما، اما الرضوخ للعدوان الإيراني المستمر على سيادة العراق الإقليمية وأما ممارسة الحق الشرعي في الدفاع عنها، ولم يكن أمام القيادة العراقية من بد سوى الرد على العدوان في 22/9/1980 لدفع القطعات الإيرانية إلى الوراء بهدف إبعاد ساحة الاشتباكات العسكرية عن الأراضي العراقية وتأمين مدنه ومنشاته من القصف المدفعي المتوالي، ومن ثم إرغام النظام الإيراني على التخلي عن أحلامه التوسعية الموهومة، وانطلاقاً من هذا القرار دخلت القوات العراقية في 22/9/1980 بمعارك باسلة الأراضي الإيرانية في محوري القاطع الأوسط والقاطع الجنوبي، من قصر شيرين شمالاً إلى شط العرب جنوباً، فضلاً عن محاصرتها مدينة عبادان الستراتيجية واجتياحها نهر الكارون الذي يعد من ابرز الانجازات العسكرية وأغارت القوة الجوية على القواعد والمطارات الحربية الإيرانية وكبدتها أفدح الخسائر. وكان للحركة السريعة للقطعات العراقية وكفاءتها العالية وروحها القتالية الوثابة الدور الأهم في تنفيذ الواجب كاملاً بدقة متناهية في ستة أيام.
العراق... جنوح إلى السلم
على خلاف ما درج عليه المألوف في الحروب العسكرية حين يجنح المنتصر إلى فرض شروط تعسفية على الخصم، فأن القيادة العراقية قدمت نموذجاً فريداً في الجنوح إلى السلم، فلم يأخذها زهو الانتصارات الكبيرة التي تحققت في ميدان المعركة منذ الأيام الأولى لقادسية صدام عندما بادر العراق على لسان السيد الرئيس القائد في 28/9/1980 إلى إعلان رغبة العراق الجادة في إيقاف القتال والوصول إلى تسوية سلمية عادلة ومشرفة للطرفين وعلى أساس اعتراف إيران بحقوق العراق المشروعة في الأراضي والمياه واحترام علاقات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وقد تزامن مع المبادرة العراقية قرار مجلس الأمن الدولي ذو الرقم 479 في 28/9/1980، ودعا فيه الطرفين إلى تسوية نزاعهما بالوسائل السلمية وبما ينسجم ومبادئ العدالة والقانون الدولي، إذ أعلن العراق موافقته على القرار برسالة بعشها السيد رئيس الجمهورية إلى الأمين العام للأمم المتحدة عبر فيها عن استعداد العراق للالتزام به إذا ما فعلت إيران ذلك أيضاً، معرباً عن أمله بأن يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية لحث إيران على الالتزام بالقرار، مذكراً في الوقت نفسه بمبادرة العراق التي أعلن فيها استعداده لوقف الأعمال الحربية فوراً إذا ما قدم النظام الإيراني تعهداً مماثلاً واللجوء إلى المفاوضات من اجل التوصل إلى حل عادل ومشرف.
ولئن جاء الموقف العراقي ايجابياً ومتوازناً، فإن موقف النظام الإيراني اتسم بالرفض والتشنج والافتقار إلى الموضوعية كما جاء في رسالة بعث بها الرئيس الإيراني في 1/10/1980 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقد جاء فيها «ان إيران لا ترى فائدة من مناقشة النزاع بين البلدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة،... وان القرار لا ينسجم وأحكام الميثاق».
ثم توالت فيما بعد جهود الوساطة التي بذلتها هيئات ومنظمات إقليمية عديدة، وعدة دول على نطاق فردي وهيئات غير حكومية إذ أظهر العراق إزاءها تعاوناً ايجابياً، في حين استمرت إيران على رفض جميع المبادرات بلا مبرر، ولئن كان من العسير إيراد كل الوساطات لإيقاف الحرب فأن من الضروري الإشارة إلى بعضها، ومنها إعلان العراق استعداده للتجاوب مع مبادرة المؤتمر الإسلامي لوقف إطلاق النار من جانب واحد شرط التزام الطرف الأخر بذلك، وتأييده جهود الوساطة التي كان يبذلها «اولف بالمه » مبعوث الأمم المتحدة لتسوية النزاع، وتعامله بروح بناءة مع مبادرة الرئيس الكوبي "فيدل كاسترو" بوصفه رئيسا لحركة عدم الانحياز.
غير ان هذه الوساطات جميعاً كان مالها الفشل في طهران وعلى الرغم من تحفظ القيادة العراقية من مقترحات بعض الدول التي كانت تحابي فيها إيران بسبب تداخل المصالح السياسية ورغبة قوى إقليمية ودولية في تسويف الحقوق العراقية المشروعة بمبدأ عن مقتضيات العدل والإنصاف فأنها أظهرت استعداداً للتجاوب مع المبادرات البناءة، وطرحت موقف العراق على نحو موضوعي وقانوني لا غموض فيه، في وقت بدأ فيه النظام الإيراني متهافتاً في موقفه وطرح شروطاً غير مشروعة، ولم يقتصر موقفه على رفض المبادرات وإنما تعداها إلى رفض القبول بمبدأ التسوية أساساً وهو ما عبر عنه خميني في 9أذار 1982عندما ذكر «ان السلام مع العراق يعد جريمة في حق الإسلام» وما أعلنه من قبل رئيس الوزراء الإيراني في 6أذار 1981 حينما زارت لجنة وساطة حركة عدم الانحياز طهران «انهم يضيعون وقتهم » وحتى عندما تكررت زيارة اللجنة البلدين في نيسان 1982فأنها لم تلق في طهران حظا أفضل مما لقيته سابقتها فتعطلت وساطة الحركة إلى عام 1985عندما أرسل رئيس وزراء الهند مبعوثين إلى البلدين لمناقشة تسوية الحرب بعد مؤتمر عدم الانحياز في دلهي، إلا ان مهمة المبعوثين لم تسفر عن شيء بسبب تعنت النظام الإيراني وصلفه.وفي قمة هراري إذ دان الرئيس الإيراني الحركة وأعلن ان بلاده مقتنعة بأن «هدف كثير من الوسطاء هو تخليص - المعتدي- وليس إقامة وإرساء قواعد السلم».
أما الهيئة الدولية فأنها أصدرت سبعة قرارات عن مجلس الأمن وقراراً عن الجمعية العامة. ففي 12تموز 1982اتخذ مجلس الأمن القرار 514وقد أعرب العراق عن ارتياحه له وقبوله به، وانه يأتي في الوقت المناسب في حين رفض النظام الإيراني القرار ووصفه بأنه «يقدم الدعم المبطن للعراق ». ثم اتخذ المجلس القرار 522في 4/10/1982، ووافق عليه العراق بلا قيد أو شرط وأبدى استعداده لتنفيذ بنوده، في حين ان إيران لم تكتف برفض هذا القرار وإنما رفضت أيضاً قراراً للجمعية في 21/.1/1982، ثم جاء فيما بعد قرار مجلس الأمن 540 في 31/10/1983 الذي علقت عليه الحكومة الإيرانية انه «قرار غير بناء ولا يمت بصلة إلى وقائع الحالة ومن ثم فهو غير عملي». وحين صدر القرار 582 في 24/2/1986، والقرار 588في ذات العام، عبرت القيادة العراقية عن استعدادها للتعاون مع الهيئة الدولية للتوصل إلى تسوية عادلة ومشرفة تؤمن حقوق الطرفين ومصالحهما، في حين رفضتهما إيران جرياً وراء موقفها العدواني المتعنت.
ثم اتخذ مجلس الأمن قراره ذا الرقم 598 في 20 تموز 1987، وقد أعلنت الحكومة العراقية رسمياً عن ترحيبها بالقرار واستعدادها للتعاون الجاد مع مجلس الأمن لتنفيذه بحسن نية، إلا ان الموقف الرسمي للنظام الإيراني جاه مماثلاً للمواقف السابقة من القرارات الدولية وعلقت عليه بقولها "ان إيران هي الطرف الرئيس الذي يقرر كيف يمكنه إنهاء الحرب» ثم جاء في تصريح لرئيس الوزراء الإيراني تعقيباً على القرار "نحن نرفض أي صلح يتعارض مع مصلحتنا».
ويمكن القول ان أكثر العروض السلمية سخاء هي ما طرحه العراق نفسه على مدى السنوات الثماني في سابقة لا نظير لها.
ففي 28 أب 1981عرضت القيادة العراقية وقفاً لإطلاق النار رفضته إيران، ثم عرضت وقفاً إطلاق النار في شهر محرم من العام نفسه قوبل برفض إيراني، وفي 10 حزيران 1982اعلن العراق وقفاً لإطلاق النار فربل برفض إيراني، ثم أعلن السيد الرئيس في 20 من الشهر نفسه وقف إطلاق النار من جانب واحد وسحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية في غضون عشرة أيام، فلم نرفضه إيران حسب، وإنما شنت بعده مباشرة هجوماً عسكرياً واسعاً على الأراضي العراقية. وفي 15شباط و14 آذار 1983وجه السيد الرئيس خطاباً مفتوحاً إلى الشعوب الإيرانية يؤكد فيه حسن نية العراق ورغبته في إيقاف الحرب، وفي 1حزيران من السنة نفسها وجه سيادته خطاباً مفتوحاً ثالثاً واقترح وقف إطلاق النار في شهر رمضان، ثم كرر ذلك في خطاب لسيادته في 14 تموز ولم يجد استجابة من قبل النظام الإيراني، وفي عام 1985طالب وزير خارجية العراق الأمم المتحدة بإرسال فريق لمراقبة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات كافة إلى الحدود الدولية، ورفضت إيران المشروع. ثم أعلن العراق على لسان السيد الرئيس القائد انه سوف يوقف من جانب واحد قصف المدن مدة أسبوعين على أمل ان تقابل إيران المقترح بالمثل، إلا أنها لم تستجب للمبادرة واستمرت على قصف الإحياء السكنية في بغداد والمدن الرئيسة الأخرى راح ضحيته العديد من الأبرياء. كما وجه السيد الرئيس خطاباً مفتوحاً إلى إيران في أب 1982يحثها فيه على المضي نحو السلام، وفي الأول من أيلول العام نفسه عرض العراق على مجلس الأمن خطة من أربع نقاط لإنهاء الحرب تتضمن اقتراحاً قوامه أن يوقع الطرفان المتحاربان على وثيقة عدم اعتداء يضمنها أعضاء مجلس الأمن الدائميون أو بواسطة مجموعة أخرى من الضامنين تحددهم الدولتان، وفي كانون الثاني 1987 اقترح الرئيس القائد تسوية من خمس نقاط تقوم على الانسحاب نمير المشروط إلى الحدود الدولية المعترف بها، وتبادل شامل للأسرى، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام خيارات كل دولة، والوصول إلى اتفاق يسهم في تعزيز الأمن الإقليمي الخليجي. وجدير بالذكر ان كل هذه المبادرات والاقتراحات وغيرها كثير عمد النظام الإيراني إلى وضع العصا في دولابها لمنعها من التقدم.
الفاو.. مدينة الحناء والفداء
تمكنت إيران في 9/10- شباط 1986 من تحقيق خرق في الدفاعات العراقية أتاح لها احتلال شبه جزيرة الفاو مستندة في ذلك إلى الدعم اللوجستي والاستخباري الواسع الذي زودتها به قوى معروفة لأغراض مشبوهة. واستفادت إيران أيضاً من عدم كفاية عدد القوات الرابضة في الفاو إذ لم تزد آنذاك عن قوة مراقبة صغيرة، في حين زجت إيران في هجومها أفضل وحدات جيشها النظامي من الكوماندوز ومشاة البحرية، وقد حاولت إيران بعد احتلالها الفاو التقدم جنوباً لقطع الطريق الواقع جنوبي القاعدة البحرية (أم قصر)، إلا ان القوات العراقية استطاعت - عبر قتال بطولي- ان تحبط الأهداف الحقيقية لاحتلال الفاو بعد ان تمكنت من امتصاص زخم الهجوم المعادي للقطعات الإيرانية أولاً ثم تحديد نقاط وجودها في مساحة محدودة وحصرها بكماشة فولاذية من ثلاث جهات ثانياً مما كبد القوات الإيرانية خسائر فادحة لا تتناسب على وفق التحليل العسكري البحت مع النتائج النهائية لاحتلال الفاو، فكانت النتيجة ان ظلت القطعات الإيرانية قابعة في الفاو تتلقى نيران المدفعية العراقية وصواريخها دون ان تستطيع إيران تطوير عدوانها إلى ما هو ابعد من ذلك فتحولت الفاو كما قال السيد الرئيس إلى «قبر كبير لإيران»، وقد أجرى العراق تغييراً سريعاً في إستراتيجيته العسكرية تتمثل بالتحرك النشيط والقيام بفعاليات عسكرية في القواطع كافة، كان أهمها السيطرة على مدينة مهران الإيرانية.
وقد وقع النظام الإيراني ضحية وهم كبير ان احتلال الفاو سيكون مقدمة لسقوط العراق أو هزيمته، وقد أسهمت في هذا التصور الخادع دول كان يروقها استمرار النزاع بين البلدين انساقت نحوها إيران تدفعها أحلامها التوسعية المريضة، فأطلق النظام الإيراني عام 1986شعاره الخائب (عام الحسم) وحشد له أضخم قوة عسكرية ممن جرهم إلى محرقة موت كبيرة، وظلت إيران تعد لهجومها الموعود طوال العام، وافتضحت مؤامرة كبرى كانت تقف وراءها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مباشرة وقد أطلق عليها فضيحة (إيران غيت) التي كشفت عن عمق التعاون التسليحي الإيراني مع من كانت تطلق عليهم قوى الاستكبار فافقد افتضاح المؤامرة النظام الإيراني مصداقيته التي كان يتشدق بها طوال السنوات المنصرمة، ثم كانت الإجابة العراقية الواثقة عن «عام الحسم » المزعوم ما قاله السيد الرئيس في رسالة مفتوحة إلى النظام الإيراني « نتحداكم أيها الأشرار.. انتم ومن تحالف معكم ووالاكم ان تجعلوا من عامكم الشرير هذا عاماً للحسم».
وفشل فعلاً الهجوم الإيراني الواسع على الشلامجة في شرق البصرة إذ أعلن النظام الإيراني في بدايته ان هذا هو الهجوم النهائي، فكان التدمير الواسع الذي أصاب قواته وخسائره الفادحة فيه ليس محض فشل مسكري في تحقيق مهمة عسكرية وإنما كان فشلاً سياسياً وعسكرياً وجه ضربة قاصمة إلى أحلامه الزائفة مثلما فشلت هجماته الخائبة عام 1987باتجاه القاطع الشمالي.
ثم استمرت الانتكاسة الإيرانية على امتداد عام 1987بعد ان عجز النظام الإيراني عن تعبئة قواته لبدء هجوم عدواني كما اعتاد في شتاء كل سنة، ولم يتحقق ذلك الهجوم الذي ملأ الدنيا ضجيجا حوله. وانتهى «عام الحسم» الذي جاء عاماً «للخيبة » أطاح بالأماني الضالة، واحتفل العراق في 22أذار عام 1987باسقاط شعار عام الحسم، ووجه السيد الرئيس رسالة إلى الشعوب الإيرانية جاء فيها «ان النظام الإيراني قد حسب موازين القوى حسابات فنية فحسب، فتصور ان مجرد زج قوى اكبر وأكثر تأثيراً أو تحقيق المباغتة... يكفيان لتحقيق ما عجزت عنه المحاولات السابقة، وبدلاً من ان يهتز لأي من أبناء العراق طرف أو تضعف همته وعزمه تحت مطارق الإعلام الصهيوني والإعلام المتآمر انتخينا باسم العراقيين وباسم كل العرب مستحضرين كل حلقات المجد والعزم والشرف والفضيلة في تاريخ الأجداد مقابل ما استحضره العدو من عوامل الشر وأحقاد التاريخ في كل مواقعها».
معارك التحرير
ثم جاءت ملحمة الفاو في 17/4/1988 التي أطلق عليها اسم «عملية رمضان مبارك » وحررت فيها القوات العراقية شبه جزيرة الفاو بعد احتلال دام أكثر من عامين لتشكل نقطة هامة ومنعطفاً له دلالته في مسار الصراع المسلح فاستحقت بجدارة التسمية التي سماها بها الرئيس القائد «مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم » ففيها انقلب حال القوات الإيرانية التي اعتادت ان تكون هي المهاجمة، وان تكون القوات العراقية في موقف دفاعي، وفي هذه الملحمة تمكنت القوات العراقية بقتال بطولي وخطة محكمة اشرف السيد الرئيس القائد شخصياً على متابعة تفاصيلها بدقة منذ وقت مبكر ان تستعيد السيطرة التامة على الفاو في زمن قياسي وفي اقل من يوم ونصف تكبدت في أثرها الحشود الإيرانية خسائر بالغة لم ينج منها الأمن لاذ بالفرار مذعوراً من الحمم التي انصبت على الرؤوس. وبسبب الانكسار النفسي الكبير الذي أصاب القوات الإيرانية لم يستطع النظام الإيراني القيام بضربة مضادة أو حتى إبداء مقاومة منظمة، مما يدل على مدى العجز الحقيقي الذي بلفه الجيش الإيراني في وقت كان يصر- فيه المسؤولون الإيرانيون قبل أيام أنهم يعدون لهجومهم الكبير، فكانت الفاو إيذاناً بالانتكاسات الإيرانية التي تلاحقت وتائرها فيما بعد تحت مطارق القوات العراقية.
خميني يتجرع السم
كان المتتبعون لسير العمليات العسكرية، في عامها الأخير، اقل مفاجأة بموقف النظام الإيراني في قبول قرار مجلس الأمن 598، فالتغير في مسار الصراع المسلح بدأ يأخذ منحى مختلفاً منذ معارك تحرير الفاو إذ شهدت الجبهة بعدئذ على امتدادها صولات باسلة للجيش العراقي، تهاوت أمامها القوات الإيرانية التي رفعت الرايات البيض إذعاناً للاستسلام مؤثرة الأسر على الموت.
ففي 25مايس 1988قامت القوات العراقية بعملية «توكلنا على الله » الملحمية، تهاوت أمامها الحشود الإيرانية التي تقهقرت إلى الوراء فتحررت منطقة الشلامجة بعد ان تكبدت إيران خسائر جسيمة، ثم تبعتها في حزيران 1988عمليات «محمد رسول الله » التي حرر وطهر فيها عدد من جبال العراق الشماء في المنطقة الشمالية. وفي 25من الشهر نفسه زفت القيادة العراقية بشرى تحرير الأراضي العراقية في حقل مجنون عبر عمليات «توكلنا على الله الثانية ». ثم لقنت القوات المسلحة العراقية في تموز 1988القطعات الإيرانية درساً لا ينسى في البطولة والفداء إذ تمكنت فيها من تطهير حوض باسين وجبال سركو ووادي سبيدارة وبعض المخافر الحدودية، وخاضت معركة باسلة على الرغم من وعورة التضاريس.
وفي عمليات "توكلنا على الله الثالثة" التي جرت في 12تمون دارت رحى معركة بطولية أخرى تمكن فيها جنود الحق من تحرير الأراضي الوطنية في منطقة زبيدات، وأشار بيان القيادة العامة إلى أن ما على حكام إيران إلا ان يتعظوا قبل فوات الأوان.
ولكن كان واضحاً ان الإيرانيين يحتاجون إلى درس بليغ أخر ليوقنوا ان ليس أمامهم من فرصة للنجاة إلا قبول السلم مرغمين فجاءت عمليات «توكلنا على الله الرابعة » التي امتدت من أقصى الجبهة إلى أقصاها لانتزاع ما تبقى بأيدي الغزاة من أراضينا الوطنية وتحطيم قوتهم والحصول على اكبر عدد من أسرى العدو الذين انهارت معنوياتهم إلى حد بعيد بعد الفشل المريع في إيقاف زخم الصولات العراقية، وكان الثقل الأساسي للعملية في قاطع الفيلق الثاني وعلى جبهة امتدت إلى (170كم). فكانت الخسائر الفادحة التي تكبدتها القطعات الإيرانية وعجزها عن المقاومة هي التي دفعت النظام الإيراني إلى إعلان الانسحاب من حلبجة وحاج عمران خشية الوقوع في منازلة خاسرة تدرك نتائجها سلفاً.
ولا ريب في ان الانتصارات العراقية الباهرة منذ تحرير الفاو وما تلاها ترجع بالدرجة الأساس إلى التخطيط الدقيق والقيادة الميدانية المباشرة للرئيس القائد صدام حسين، والى الأعداد العالمي للمعركة والتخطيط المتميز، ثم التنفيذ الماهر والشجاع الذي أبدته القوات المسلحة العراقية قيادة وضباطاً وجنوداً، ولما كانت الحرب ظاهرة ذات شقين، ففي مقابل ذلك ولدى الجانب الإيراني، كانت هنالك هزيمة نفسية قبل ان تكون عسكرية عمقتها السنوات السابقة التي أدركت فيها الشعوب الإيرانية عقم الأهداف التي تساق إليها، وأن الجنة الموعودة التي كثيراً ما منوا بها لم تكن إلا سراباً، وإزاء هذه الحقائق التي برهنت عليها الصولات العراقية في سور الوغى، ما كان أمام (خميني) وهو يشاهد علائم الانهيار والاعياء التام في جيشه المندحر إلا ان يعلن إذعانه وموافقته على قرار مجلس الأمن 598 وقبول السلام صاغراً، واصفاً إياه بأنه «اشد عليه من تجرع السم ».

الجيش الشعبي.. تجربة شعب مقاتل
لم تكن قادسية صدام المجيدة محض نزاع مسكري نمطي بين دولتين وصراع هذه سماته لا يمكن ان يقتصر دوره على ان يكون محض مواجهة عسكرية لجيشين يتقاتلان على الحدود لذا لم يكن مستغرباً ان يسهم الشعب العراقي كله في هذا الصراع بغض النظر عن أية عوامل أخرى (قومية أو عرقية أو مذهبية) بعد ان أدرك ان حاضره وأمانيه مهددة بعدوان أثيم يترصد استقراره.
ولإتاحة الفرصة أمام كل عراقي في ان تكون له قصة يرويها لأبنائه وأحفاده عن مشاركته في القادسية فتحت مراكز التطوع للجيش الشعبي منذ الأيام الأولى للمعركة.
وكان مقدراً ان تقتصر مهمات الجيش الشعبي على حماية الأمن الوطني أو المساهمة في صيانة الخطوط الخلفية أو أعمال الخدمات الإدارية لإسناد الجيش، إلا ان إصرار المقاتلين على إلا يكونوا اقل مساهمة من القوات المسلحة في حماية الوطن حدا بالقيادة إلى ان تشركهم في المعارك القتالية وان يكونوا في الخطوط الأمامية متخندقين جنباً إلى جنب مع فصائل الجيش وأفواجه يؤدون ذات المهمات القتالية والتعرضية بكفاءة واقتدار عال قل نظيره بالنسبة إلى الجيوش غير النظامية مما عرفته الحروب الحديثة، خصوصاً بعد ان تنوعت أسلحة الجيش الشعبي وتضاعفت قوته النارية بدرجة كبيرة وملموسة عندما أضيفت إليه الأسلحة الساندة المتوسطة وأسلحة الدفاع الجوي. وكان أكثر الأمثلة وضوحاً تجربة أفواج المهمات الخاصة التي أعقبت معارك شط العرب لتمثل الروح القتالية العالية لمقاتلي الجيش الشعبي واستعدادهم الدائم للتضحية والفداء.
وعلى الرغم من تداخل المهمات القتالية بين الجيش النظامي والجيش الشعبي، فقد كان هنالك تكامل وتنسيق بين القيادات العسكرية والحزبية في أداء الواجبات مما لم يسمح بظهور تعارض أو تضارب بينهما، والى ذلك يشير السيد الرئيس القائد «مما نفخر به كعراقيين جميعاً ومهما كانت مواقعنا ان الجيش الشعبي رغم عدده الكبير ورغم المسؤوليات الواسعة التي أعطيت له من قبل القوات المسلحة كرديف لها لم تعرض أمامنا ولا حادثة واحدة تدعو إلى الأسف ولا حادثة سوء تفاهم - خلال فترة الحرب الطويلة - بين الجيش الشعبي والقوات المسلحة».
لقد أثبتت تجربة الجيش الشعبي بحق «ان الشعب - لا النفط - هو الاحتياطي المضموم» كما جاء في تثمين الرئيس القائد إذ قال «لقد قاتل منتسبو الجيش الشعبي بشجاعة وشرف وبنفس روح الشجاعة والشرف التي قاتل بها العسكريون المؤمنون وان كانوا أكثر تدريباً وأكثر دقة في التنظيم ولهم مؤسساتهم الأكثر تطوراً من وسائل الجيش الشعبي». وكان الجيش الشعبي- بصدق - تجربة لشعب مقاتل.

القائد في الميدان
في كل الحروب، ولاسيما في تلك التي تمتاز بأنها حروب شاملة وممتدة الأثر، يبرز القادة في التعبئة والتوجيه والتخطيط، حتى ان العديد من الحروب وبرغم عدم تكافؤ الجيوش قد حسمت لمصلحة الأقل عدداً وعتاداً بفضل حكمة قادتها وشجاعتهم.
وفي قادسية صدام لا يمكن لأي امرئ مهما بلغ تجنيه إلا ان يشيد بدور القائد المنصور صدام حسين في قيادة دفة الصراع عبر سنواته الثماني وهو دور يختلف إلى حد بعيد عما الفته الحروب عموماً، بدءاً بالتسمية التي أطلقها الشعب «قادسية صدام» تحبباً وتيمناً ليس انطلاقاً من مسؤوليته الرسمية قائداً عاماً للقوات المسلحة ولكن للدور الإنساني والنفسي والعسكري والسياسي الذي اضطلع به في إدارة المعركة بنجاح واقتدار فذ.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته القوات المسلحة كلها قيادة وضباطاً وجنوداً، فأن دور السيد الرئيس القائد يبقى قبل هذا وذاك الأكثر تأثيراً والأعظم نفاذاً، لأنه إذا كان من المعتاد في الدول ان يكون رئيس الدولة هو القائد العام للقوات المسلحة، فان هذا الدور يبقى صورياً واسمياً ليس غير، في حين ان الرئيس القائد كان يشغل المنصب ويمارس دوره فيه ممارسة فعلية ومؤثرة، فقد كان لسيادته الدور الأهم في تحديد الإبعاد السوقية للحرب من خلال صياغة الهدف السياسي للحرب والاتجاهات العامة لإدارتها وتعبئة إرادة الأمة حولها، وهذا القول ينسحب أيضاً على الإبعاد التكتيكية والعملياتية للحرب، إذ اشرف سيادته على المعارك وخطط وحضر لها وأدارها على نحو مباشر فجمر بنجاح- قل نظيره - بين القيادة السياسية والعسكرية بتناغم وكفاءة.
لقد كان الرئيس القائد صدام حسين يتابع عن قرب استعدادات القادة للمعركة ويناقشهم تفصيلياً في الخطط ويصادق عليها، وأكثر من ذلك المتابعة الميدانية لسير المعارك واتخاذ المناسب من القرارات في وقته، وهكذا كان القائد في «أم قصر» عندما كانت المعارك تدور حول الفاو عام 1986» وحينما كانت «أم قصر» اقرب ما تكون إلى الخطوط الأمامية للقوات المسلحة العراقية. وفي معارك (اليوم العظيم ) و(الحصاد الأكبر) كان الرئيس القائد في البصرة وسط هدير المدافع يشرف ويتخذ القرارات ويصدر الأوامر لأمن خلال التقارير والخرائط وإنما بمشاهدة الموقف على الطبيعة وتوخي الحقائق بدقة من خلال ملامسته الميدانية ووجوده المباشر في أمكنة العمليات.

وربما كان ابرز الأمثلة على ذلك هو الإشراف الدقيق والمباشر للرئيس القائد على عملية «رمضان مبارك» في التحضير لها والتوقيت لعملية تحرير الفاو البطولية ثم عمليات (توكلنا على الله) و (محمد رسول الله).
ولا ريب في ان وجود القائد في المقدمة بين جنوده يحاورهم ويذلل مشكلاتهم ويبت في أدق تفاصيل شؤونهم اليومية قد رفع من الروح المعنوية للمقاتلين الذين ما كانوا يسمعون بوجود القائد بينهم حتى تزداد همتهم إضعافاً ويتنافسوا فيما بينهم ليحظوا برضاه عن أدائهم البطولي.
وقد كانت القدرة الإبداعية الخلاقة التي يمتاز بها السيد الرئيس معيناً في ابتكار أساليب ووسائل قتالية بعيدة عن النمطية التقليدية، فهو الذي ابتكر أول مرة الأساليب القتالية لمواجهة الحشود البشرية، وابتكر أسلوب مهاجمة القوة الجوية منشات تصدير النفط على مسافات بعيدة، وأسلوب إعاقة هجمات العدو عن طريق البحيرات الصناعية (بحيرة الأسماك) فكانت خصيصة الإبداع الخلاق هي دافع سيادته لتشجير ورعاية مراكز البحث والتطوير الفعلي للعمل على تلبية متطلبات القوات المسلحة وإدارة الصراع العسكري، فباءت الإبداعات الخلاقة للعلماء العراقيين في ميدان التصنيع العسكري مفخرة كبرى حينما رفدت المعركة بأحدث الأسلحة وأكثرها تظورأ، وأبعدها أثراً في تهيئة النصر الذي لم يكن ليتحقق لولا المتابعة الميدانية الدقيقة للرئيس القائد في القادسية الثانية التي استحقت ان تسمى باسمه «قادسية صدام».




Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي