ثورة تشرين في العراق بين الرومانسية الثورية والبرغماتية السياسية بقلم د ـ فالح حسن شمخي
ثورة
تشرين في العراق
بين
الرومانسية الثورية والبرغماتية السياسية
د ـ فالح حسن شمخي
قبل ايام حضرت
محاضرة اقامها المركز العربي التركي في اسطنبول نخبة من المحاضرين الاكفاء والحكماء والمقتدرين على
تناول ثورة تشرين الشبابية في العراق ومايحيطها وبحضور جمهور من الكتاب والمثقفين
، تم تغطية هدا النشاط اعلامسا من خلال البعض الفضائيات العراقية والتركية.
الذي اثار انتباهي في
ذلك اليوم هو الحديث الذي كان يميل الى انتقاء الالفاظ وهو يشبه حديث من تقدمهم
الفضائيات العربية لنا على انهم من الباحثين والمتخصصين بالشان السياسي وهم للاسف
لايسمون الاشياء بمسمياتها فكثيرا مانسمعهم يرددون كلمة {الارجنتين} ، عندما يتعلق
الامر بجارة السوء ايران ، ويشيرون الى
طرف ثالث لايعرفونه عندما يحدثون عن القتلة الماجورين والذيول الذين اغتالوا بخسة
شباب ثورة تشرين الشبابية.
وبعد يوم او يومين
من الندوة المذكورة اعلاه خرجت علينا احد الفضائيات التي كنا نعتقد انها لاتضع
حدود وخطوط حمراء ، وهي تنقل لنا مقتطفات من حديث المتحدثين تجنبت نقل المداخلات ،
واستنادا لذلك توصلت شخصيا الى ان هناك البعض من المتحدثين والفضائيات من يتحرك بحدود {البرغماتية السياسية} ، وهذا
الامر هو بعيد كل البعد ولايعبر عن شباب الثورة في ساحات التحرير الذين يعيشون
ويتحركون ضمن مايسمى {الرومانسية الثورية} ، وعلى حد علمي بان الاحزاب والحركات
الثورية والايدلوجية التي انبثقت من رحم الامم والشعوب الحية ، تم بناء نظرياتها
استنادا الى الرومانسية الثورية ، واعترف باني رومانسي ثوري وسابقى كذلك.
البراغماتية كما
هو معروف ومؤرخ له هي {مدرسة سياسية شأنها شأن
المدراس السياسية الأخرى التي حكمت العلاقات السياسية الدولية كالمدرسة المثالية
الواقعية والليبرالية..الخ. وهي من المدارس التي تؤمن باختلاف الآراء وعدم الثبات
في السياسة والدين والاقتصاد والعلوم الطبيعية، وأن الصدق والكذب والحق والباطل
والصواب والخطأ، كلها مفاهيم نسبية وليست مطلقة، و هناك ما يميز هذه المدرسة أو
الفلسفة بأنها فلسفة مستقبلية لا تنظر الى التاريخ والماضي بل إلى الحاضر
والمستقبل}.
وهنا يكمن الخلاف بيني كانسان حالم ثوري وبين البرغماتية والتعامل معها برؤية نقدية يقودني للقول ، ان
عدم الثبات والنسبية ، يعني الميكافيلية التي تجيز التحرك بكل الوسائل لتحقيق
الهدف حتى وان كانت هذه الوسائل لا
اخلاقية ، وان الحاضر والمستقبل لاي شعب او امة حية لابد له من التعامل مع التاريخ
بطريقة المحاكاة او الانبعاث وان اميل الى التعامل مع التاريخ على اساس احياء ماهو
اصيل ومفيد وقطع الصلة بيننا وبين التاريخ يعني فقدان سائق المركبة للمرآة الامامية
لمركبته.
البرغماتية اسم مشتق من اللفظ اليوناني :- براغما :- ومعناه العمل ،
وهي مذهب فلسفي – سياسي يعتبر نجاح العمل المعيار الوحيد للحقيقة ؛ فالسياسي
البراغماتي يدعّي دائماً بأنه يتصرف ويعمل من خلال النظر إلى النتائج العملية
المثمرة التي قد يؤدي إليها قراره ، وهو لا يتخذ قراره بوحي من فكرة مسبقة أو
أيديولوجية سياسية محددة ، وإنما من خلال النتيجة المتوقعة لعمل .
اما الرومانسية
الثورية التي اؤمن بها واعتقد هي النظرية والفكرة والحلم الذين نسير على هديه في
التعامل مع الواقع بهدف تغيره فليس لها تعريف محدد لكنها تفهم على انها ذلك الحلم
الكبير الذي يعيشه الثوار بدولة العدالة وفق رؤيتهم لتلك الدولة ولا يوفرون جهدا
ولا وسيلة لتحقيقه، الحلم لا يساوم ولا يهادن ولا يعرف الحلول الوسطى، إنه النصر
أو الشهادة.
والرومانسي الثوري لايؤمن
بالاغتيالات السياسية التي تمارسها الحكومات العميلة والمليشيات المرتبطة بها واجهزتها
الامنية.
والرومانسي الثوري ،
يفرق بين العنف والعنفوان ، فهو يستخدم العنف بشكل جميل وشهامة للدفاع عن النفس
وليس بشكل وحشي للانتقام من خصومه.
والرومانسي الثوري
ثائر لا يموت لانه باع روحه لفكرة الثورة
وقايضها بمفهوم لا متناهي من الحرية المطلقة ، اما الحكومات العميلة والمليشيات المرتبطة
بها واجهزتها الامنية ، وان كانوا يعيشون طويلا فانهم ميتون.
ان الخطر الذي لابد
للثوار الحالمين في ساحات التحريرفي العراق الانتباه اليه هو معرفة وفرز المندسين
الذين يعزفون على الوتر الرومانسي لدى
الثوار من خلال ايهامهم بأن حرية التعبير والتظاهر وإبداء الرأي مكفولة مما يشجع
الكثيرين على ممارسة هذه الحرية التي تتخذ في بعض الاحيان طابعا ثوريا وان كان
سلميا، فيحتلون منصات الخطابة والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن
الذيول وسراق المال العام ، فيجري رصدهم وخطفهم واغتيالهم بكاتم الصوت والمفخخات ومن ثم المشي في جنائزهم
مع وعد بفتح تحقيق بأسرع وقت للقبض على القتلة .
وان هناك خطر اخر
على الثورة والثوار الرومانسيون وهو الركون الى الراحة والاطمئنان والاعتماد على
نظام الحكم الذي انتجته الثورة الشعبية ، فالواقع يختلف عن الخيال ، ان مهمة
استمرار الرومانسية الثورية ونقل احلام الثوار الى مايسمى {الواقعية الحياتية} يقع
على عاتق الثوار انفسهم ونظام الحكم الذي رشح عن الثورة ، ويعتمد ذلك على المصارحة
والمكاشفة الدائمة وتقبل الراي والراي الاخر والقيادة الجماعية.
Reacties
Een reactie posten