غاطس العلاقات الأمريكية الإيرانية بقلم نزار السامرائي/ الجزء الأول



غاطس العلاقات الأمريكية الإيرانية

نزار السامرائي

الجزء الأول
على الرغم من ارتفاع صوت الشعارات المعادية للولايات المتحدة من قبل إيران وأطراف موالية لها في الوطن العربي وتدين بالولاء لنظرية الولي الفقيه، فإن مياه الود والصفاء تنساب بين الطرفين من دون عائق تماما مثل انسياب المياه الجوفية في مسالكها، ولا تشبه علاقاتهما اي علاقات بين طرفين يظهران الخصومة ويبطنان مصالح عميقة لا تهددها الأزمات التي تطرأ بين آونة وأخرى، كما حصل في العلاقات الإيرانية الأمريكية، في مسالك غير مرئية أبقت على أعلى قدر من التفاهم والوئام.

لا توجد قضية انقسم عليها المراقبون والمحللون السياسيون كما انقسموا على موضوع التحالف السري أو لنقل التفاهم السري الذي يصل حد صداقة تمنع أي تصادم محتمل، أو بين التصادم المفترض الذي يسوّق له كثير من المأخوذين بالدعاية الإيرانية التي تصورها وكأنها لوحدها التي تحمل لواء مواجهة الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية والدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين، مستغلّة هذه القضية التي هي محل إجماع عربي، من أجل تسويق ما تسمى بالثورة الإسلامية الإيرانية كقوة جهاد وممانعة بوجه مخططات طمس الحق العربي في فلسطين الذي تخلى عنه العرب وسلمّوا راية الممانعة إلى إيران بملءِ إرادتهم لولاية الفقيه، على الرغم من أن إيران لم تخض حربا مباشرة واحدة باستثناء محاولتها تصدير ثورتها إلى العراق عندما تصدى لها العراقيون في معركة القادسية الثانية.

وإجمالا يمكن القول إن ما بين الولايات المتحدة خاصة والغرب عامة مصالح استراتيجية عميقة وعلاقات راسخة تتجاوز المرحلي، قد يصعب فهم كل أبعادها إذا ما نُظِرَ إليها من زاوية شعارات الكراهية المعلنة من قبل المسؤولين، أو في التهديدات العالية الوتيرة التي تتردد بلا توقف بين إيران والولايات المتحدة وتنسحب تلقائيا على إسرائيل.

فما هي حقيقة ما يحصل على المسرح من أدوار أو من وراء الكواليس من مشاعر وصفقات؟ ولماذا تتبدل أدوار الممثلين بل وأداء كل واحد منهم على وفق ما ترسم المصالح الثابتة والتصريحات المتغيرة؟.

هذا ما سنحاول أن نعرضه في هذه المقالة أو نعطي إجابات لها مهما تعمق غاطسها تبقى قاصرة عن الإحاطة بأبعادها وخفاياها التي تحرص الدولة الأمريكية العميقة على الحفاظ على الإمساك بكل خيوطها السائبة خشية من إفلات إيران الدولة بصرف النظر عن طبيعة نظام الحكم فيها عن الفلك الأمريكي. 

غير أن سؤالا ملحّاً لا بد أن يرد على خاطر المراقب المحايد عن دوافع الولايات المتحدة التي ترى كل هذا السلوك الاستفزازي الإيراني لمكانتها الدولية بما في ذلك تعريض مصالح ومؤسسات أمريكية لاستهدافات متكررة ومؤثرة من قبل الحرس الثوري الإيراني أو من قبل منظمات إرهابية تم تأسيسها من جانب إيران، ثم تقف موقفا مترددا مكتفية بالبيانات الصحفية النارية الصادرة عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو تعقيبات مضحكة من جانب الرئيس ترمي على صفحته في تويتر؟

ارتفع سقف التحدي الإيراني للولايات المتحدة في ولاية الرئيس دونالد ترمب إلى حد اسقاط طائرة أمريكية مسيرة متطورة فوق الخليج العربي في 20 حزيران 2019 ومرّ الحادث كغيمة غير ماطرة مع رسالة امتنان وتقدير من ترمب للزعامة الإيرانية لأنها لم تذهب إلى حد اسقاط طائرة نقل عسكرية كانت تحمل على متنها عددا من العسكريين الأمريكان كان تحلق على مقربة من الطائرة المسقطّة، ثم إن ترمب أظهر إنسانية أمريكية لافتة عندما كشف النقاب عن أن سبب عدم رده على العدوان الإيراني عسكريا، أنه كان يخشى من سقوط ما يقرب من 200 مدني إيراني في العملية التي كانت مقررة وتم إلغاؤها في الدقيقة الأخيرة، واستعاض عنها بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران وبسيل جديد من التهديدات على تويتر، وهنا لا بد من طرح سؤال منطقي عن الأسباب التي تدفع بترمب أن يرسل لإيران برسائل ودية بعد كل عمل قبيح تُقدم عليه إيران، من قبيل إن الولايات المتحدة تريد لإيران أن تكون بلدا متطورا مزدهرا، فهل يعي ترمب نتائج مثل هذه الرسائل على الزعامة الإيرانية الحمقاء وكيف توظفها ضد الشعب الإيراني من أن الاستكبار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة يقف عاجزا عن مواجهة إيران وما تمتلكه من قوى خفية قادرة على إلحاق الهزيمة بأعدائها.

 سلوك إيران هذا وتردد أمريكا في الرد على مغامراتها الطائشة بل وتحرشاتها المتكررة بمصالحها في منطقة الخليج العربي، شجعها على أن تنظر باستخفاف للمواقف التي أعلنها ترمب عند حديثه عن الدور الإيراني، وتأكد للزعامة الإيرانية أن ترمب أكثر انسجاما مع رؤيتها وتبنيّا لوجهات نظرها بشأن قضايا أمن الخليج العربي من أي طرف أمريكي آخر، وعندما شعرت باطمئنان إلى أن ما تقوم به من أعمال إرهابية لن يلقى الرد الدولي أو الأمريكي حصرا، حولت مغامراتها الطائشة إلى مغامرات محسوبة فأردفت عملية اسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة بعملية استهداف خطيرة لمنشآت شركة نفط أرامكو في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية أكبر حليف سياسي واقتصادي للولايات المتحدة في المنطقة، وهذا الحادث الذي توقّع كثير من المراقبين العسكريين والسياسيين أن يكون الرد الأمريكي بمستوى الإهانة التي لحقت بمكانة الولايات المتحدة أو بما رفعه ترمب من شعارات نارية بشأن التصدي لسياسات إيران العدوانية التوسعية، لا سيما وأنه قال بأنّ أي سلوك إيراني يعرض المصالح والمنشآت الأمريكية أو أمن أصدقاء الولايات المتحدة أو تهديد إمدادات النفط والتجارة البحرية للخطر فإن بلاده سترد ردا عسكريا حازما وغير مسبوق على إيران، ولكن هذه الأحداث مرّت مرورا عابرا وكأن شيئا لم يحصل وبلعت واشنطن الإهانة ومسحتها بذيلها واتضح أن الرد الأمريكي سوف لن يتجاوز تغريدة على حسابه في تويتر واستعاضت واشنطن عن الرد العسكري بتشديد العقوبات الاقتصادية المطاطية.

يتبع الجزء الثاني

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي