العراق صمام أمام الامة وقلب العروبة النابض
العِرَاق صَمَّام أمَان الأُمَّة وقلب العُرُوبَة النابض
د.عباس العزّاوي
عندما نذكر العراق دولةً وأرضاً وشعباً، فإنَّ أول شعاع يسطع نوره في ذاكرتنا، هو تاريخه الغائر في القِدَم، ثم حضاراته الراقية والمتلاحقة، تلك التي صُنِعَت بجهد ونباهة وحكمة ملوك العراق المرموقين، والعلماء والمفكرين، والصنَّاع والمخترعين المبدعين، وبفضل تضحيات أبناء الرافدين المخلصين. فهو البلد الذي علَّم الدنيا الحرف والكتابة، وهو أول مَن سنَّ القوانين، ووضع للدولة والشعب أنظمة وتعاليم وفق مباديء الحقّ والعدل.
كان العراق وخاصة في بابل مركز حضارة الشرق، وبغداد الرشيد مركز حضارة العرب، وعاصمة دولتهم الكبرى، هو الساحة التي تحاورت فيها الألسن، وتعيشت على أرضها مختلف المِلل والنِحَل، في العهود البابلية، والعصور العباسية في زمن دولة العرب الكبرى.
فالعراق زينة الدنيا وتاجها المتلأليء، به ومن خلاله تزهو الدنيا، وبالعراق تُعَزّ الأمة وتُهاب، وعندما نذكر عراق الفراتين فإنَّنا سنقف عند البطولات والأمجاد والملاحم التاريخية لهذا البلد العظيم وشعبه الأبيّ. فمن العراق انطلق الملك العراقي البابلي نبوخذ نِصَّر بجيش جرّاَر الى فلسطين العربية لتأديب أسلاف بني صهيون من اليهود، الذين طغوا واستكبروا واغترّوا بأنفسهم، وخاصة حاخاماتهم الذين انتحلوا التوراة وزوّروها تحت مسمَّى(التلمود) ، حيث يقول تعالى مُخاطباً بني اسرائيل(فإذا جَاءَ وَعدُ أُولاهما بَعَثنا علَيكم عِباداً لنا أُولي بَأسٍ شَديدٍ فَجاسوا خِلال الديارِ وكانَ وَعداً مَفعُولاً)الإسراء5. فجاء بهم نبوخذ نِصَّر أسرى الى مدينة بابل الجميلة عاصمة مملكة بابل العظمى. ومن العراق انطلق العرب المسلمون بقيادة بطل العروبة والإسلام سعد بن أبي وقاص في عهد صاحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وخليفته الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، لكسر شوكة الفرس واطفاء نار مجوسيتهم الى الأبد، فكانت معركة قادسية العرب الأولى. ومن العراق أيضاً انطلق البطل العراقي صلاح الدين الأيوبي ليحرّر بيت المقدس الشريف من براثن المستعمرين القادمين من الغرب، تحت زعم حماية الصليب!فكانت معركة حطين الظافرة التي هزم فيها دُعاة الصليبية شرّ هزيمة.
ومن بلاد الفراتين انطلقت أرتال الجيش العراقي الوطني الباسل، جيش العروبة، للذود عن الحدود الشرقية للأمة والدفاع عن بوابتها الشرقية، ولصد العدوان الفارسي الصفوي الخميني الخبيث، فانتصروا نصراً ناجزاً وحاسماً في قادسية العرب الثانية المجيدة، بقيادة فارس الأمة وقائدها صدَّام حسين، فأذاقوا زعيم الشرّ والدجل الخميني المقبور كأس السُّم الزُعاف.
هذا هو العراق العظيم، عندما يكون قوياً مقتدراً ومعافاً فالأمة بخير، وعندما يُصاب بوعكة أو علَّة، أو عندما يُكسَر فالويل والثبور للعرب من شرّ حادق بالأمة. فمن بوابة العرب الشرقية اقتحم المغول بغداد الرشيد، ومنها توسعوا الى الأرض العربية، وتطاولوا على الأمة في مشرقها، كما يجري اليوم بعد أن تم غزو العراق واحتلاله من قبل أرباب الشرّ، وتدمير بناه التحتية، وتشريد شعبه الأبيّ، واغتيال قيادته الوطنية والقومية. وفي المقدمة الرئيس الشهيد السعيد صدَّام حسين رحمه الله، حيث تمددت أذرع الأخطبوط الفارسي، تنفث سُمَّاً على أرض العرب في سورية ولبنان واليمن، بعد أن دوَّر المحتل الأمريكي الغاشم عراق المجد والكرامة الى الفرس الصفويين، بالاستعانة بأراذل القوم وسفالتهم من خونة الدار والديار، ألا لعنة الله عليهم في الدنيا والآخرة.
واليوم وفي ظل الاحتلال الفارسي الصفوي، والوصاية الأمريكية، وتسلّط العملاء والخونة على رقاب العراقيين، وخروج العراق من المعادلة الستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية، فقد تداعت أنظمة عربية حاكمة، وانهارت أقطار عربية، وتغيَّرت حدود، وانقلبت أحلاف وولاءات، ومزَّقت المجتمعات العربية خصومات، مخلِّفة احتراباً واقتتالاً بين أبناء القطر الواحد، وبرزت على السطح خلافات ونزاعات بين أقطار العرب، في سابقة خطيرة لم تمر بها الأمة في عهد دولها الحديث. وهكذا واجهت الأمة وتواجه اليوم تحديات خطيرة في وجودها ومصيرها ومستقبل أبنائها، ولم يزل هناك كمّ هائل من القضايا المستعصية على الحل، وباتت الأمة أوهن من أن تَئِنّ!بعد أنْ كُبِّلت بالأغلال، وصُودِرَ قرارها السياسي الرسمي والشعبي، وسُحِقَت تطلعات شعوبها العربية. فتعمَّقت الخلافات، واستشرت الطائفية التي زادها الشهيّ هو الفرقة والاختلاف بين أبناء الأمة، فانتعشت الطائفية التي غذَّاها أعداء الأمة من صهاينة وفرس ومَن تحالف معهما من دُعاة التأسلم والإسلامويِّين، وخاصة المُتشَيِّعين، من أحزاب الخسَّة والنذالة الولائية التي تخلص في انتمائها وولائها الى الوليّ الدَعِيّ في قُم وطهران في ايران السوء والرذيلة، ايران المكر والشرّ والحقد الأعمى على العروبة والأمة، لقد دمَّروا الحرث والنسل، البشر والشجر والحجر.
هكذا اتفق أعداء الأمة، على الاجهاز على العراقي الأبيّ وتدميره، وايقاف مشروعه الحضاري القومي والانساني، في محاولات خبيثة منهم لاحالة هذا البلد العربي المُبادر دائماً والمتيَّقظ والمتحفِّز للعطاء، صاحب التاريخ التليد والتراث المجيد، على التقاعد من خدمته للعروبة والأمة والانسانية!، يا لسوء ما يمكرون، ويا لخبث ما يبغون ويبتغون
من نوايا شرّيرة، وفأل سيّء، وما دروا أنَّ الله تعالى لهم بالمرصاد، فالله يخاطب عباده المؤمنين، بصورة خطاب الى نبيِّهم الأكرم صلى الله عليه وسلم، فيقول تبارك وتعالى(وإذْ يَمكُرُ بك الذينَ كَفروا ليُثْبِتوكَ أو يَقتُلوكَ أو يُخرِجُوكَ ويَمكُرونَ ويَمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكِرينَ)الأنفال30.
لقد صمت النظام العربي على العدوان الثلاثيني الغاشم على العراق في عام 1991م، بل ارتكب البعض منه خطيئة لا تُغتفر من خلال استقدام القوات الأجنبية وتحشيدها للهجوم على كنز الأمة وخزينها الستراتيجي، وقلبها النابض، ودمها الذي يجري في عروق العروبة. انَّ التاريخ المحايد لم يطلعنا على أنَّ هناك قوات أجنبية تم استقدامها والاستعانة بها للنيل من بلد شقيق، قد صنعت نعيماً يُذكر للمُستقدِمين، فأيّ أجنبي لا يأتي فاتحاً أو منقذاً ومُخلّصاً، أو لأجل سواد عيون الذين استقدموه ضدّ أشقاءهم في بلد معيَّن، واستعانوا بهم على أبناء جلدتهم كما هو حال البعض في النظام العربي، الذي ارتكب ذنباً وإثماً كبيرَين بحق شعبهم في العراق، والقطر العراقي دولة وقيادة وأرضاً. وتالياً فقد أعانوا القوات الأجنبية المعتدية وساهموا معها في انزال الفتك بأشقائهم في العراق، وتقتيلهم وتدمير ما بنوه خلال أكثر من سبعين عاماً من البناء، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام1920م. وهنا نتساءل: هل يجازف هذا الأجنبي بجنوده ومعداته وأمواله من أجل مَن استنجد به باطلاً، لتدمير العراق وقتل شعبه العربي دون مقابل؟!
لقد رسم القرآن الكريم الحلّ الشرعي في انهاء الخصومات والنزاعات بين الأخوة المسلمين، ونقصد بهم العرب من أبناء الأمة العربية الواحدة، وليس بالاستعانة بالأجنبي وموالاته على حساب الأمة وأبنائها. فقد جاء في ذمّ استقدام الأجنبي وموالاته في قوله تعالى(ومَن يتَوَّلهم منكم فإنَّه منهم إنَّ اللهَ لا يَهدي القَوم الظَّالمينَ)المائدة51، والولاية تعني النُصرة، وتوَّلاه: بمعنى اتَّبعه واتخذه وليَّاً. والقرآن الكريم يشتمل على آيات عديدة يحذِّر فيها الخالق جلَّ وعلا من اتِّخاذ الأعداء أولياءً، حيث يقول سبحانه(يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَتَّخذوا بطانةً من دونِكم لا يَألونَكم خَبالاً)آل عمران118، ولا الناهية هنا بمعنى التَّحريم، من هنا فالاستعانة بالأجنبي في العدوان على العراق وشعبه، هو محرَّم كما جاء في القرآن، في أي حالٍ أو ظرف. وبالتالي فالاستعانة بالأجنبي من أمريكان ومَن تحالف معهم هو بمثابة التمكين لهم، واعانتهم في اذلال العراقيين، وابادتهم، وتشريدهم من بلادهم، والاستيلاء عليها، ونهب ثرواتها.
ونود هنا أن نقول أنَّ استقدام القوات الأجنبية من مشرق الأرض ومغربها كان قراراً مدمراً بائساً أدى الى تدمير البنية التحتية للعراق، وقتل الآلاف من شعبه بين عسكري ومدني، بين شيوخ وعجائز، بين كبار وأطفال؟!ويبقى أن نتساءل:هل هذه الدول التي كانت تقود التحالف الكوني الشرِّير، وهم الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون، كانت حامية لحقوق الانسان؟!
وهل لها تاريخ مشرِّف في اقامة العدل والحقّ في بلدانها قبل غيرها؟!، وهل يُسجِّل التاريخ لها أنَّها دافعت عن المظلومين والمقهورين، فأزالت عنهم الظلم والقهر وهضم الحقوق، كما جرى مع أبناء العراق الشباب من ثوَّار تشرين الذين هم بعمر الزهور، ولا يحملون معهم سوى علم العراق؟ فهل كان لهذه الدول موقفٌ يُذكر بالوقوف معهم، ومعاقبة حكومة الاحتلال المجرمة، وسحب اليد عنها وهي التي تسبَّبت في قتل وجرح الآلاف منهم على يد قواتها وميليشياتها المجرمة؟. ألَم تستعبد هذه الدول شعوب الأرض، وتستنزف ثرواتهم، فتحوَّلت بهم من السِعة الى الضيق، ومن النعيم الى الجحيم المُهلك؟. ثمَّ ما هو تاريخ أمريكا راعية الارهاب في العالم، في التأسيس للحق والعدل، وهي الدولة التي تأسَّست على أنقاض التطهير العرقي في القارة الأمريكية؟، وكان ثمن تأسيس دولتها الاتحادية وثمن وجودها مئات الآلاف من(فروات)رؤوس الهنود الحمر المقطوعة، وهم سكان البلاد الأصليُّون!. أو فيما أقترفته من جرائم بشعة ليس لها سابق، ولكن لها لاحق فيما استخدمته من قنابل فسفورية حارقة، وقذائف اليورانيوم المنضَّب والمحرم دولياً، خلال غزوها الهمجي للعراق واحتلالها الغاشم لأرضه الطاهرة، وذلك عندما ألقت قنبلتين ذريَّتَين على هيروشيما وناكازاكي اليابانيَّتَين، في أبشع وأوسع جريمة في التاريخ الحديث، بل أنَّ ما ألقته من قذائف صاروخية تزن آلاف الأطنان من المواد المتفجرة والمشِّعة على العراق خلال عدوانها الغاشم عام1991بما لا يُقارن من حيث القوة التدميرية بقنبلتَي هيروشيما وناكازاكي. أو فيما اقترفته من جرائم وحشية بحق الشعب الفيتنامي المتطلع للحرية والخلاص من الاحتلال الأمريكي لبلاده.
وليس البريطانيون بأقلّ من حليفهم الأمريكان في جرائمهم التي يندى لها الجبين، والهند احدى ضحايا العدوانية والاجرام البريطاني، الذي ترك الآلاف من الهنود يموتون جوعاً في الشوارع والميادين. وكذلك هي فرنسا احدى دول العدوان الثلاثيني الغاشم في العام1991م، فليس ببعيد عن العالم جرائمها في القطر الجزائري، وما فعلته بحق شعبنا الجزائري البطل، الذي قدَّم مليون شهيد من أجل التحرير من براثن الاحتلال الفرنسي.
وفي الختام نقول، انَّ العالم وقف مذهولاً من مواقف ووقائع شعب العراق العظيم، في قوة صبره واحتماله، وفي مطاولته وعدم رضوخه واستسلامه في أصعب الظروف وأقساها.
وهكذا هي الشعوب الحيَّة الراقية التي لا تُعرَف بانجازاتها في البناء والعمران وحسب، بل بامتلاك القدرات الحقيقية والامكانات الهائلة في الثبات على الحق، وفي قدرتها على تجاوز اللظات المصيرية الحاسمة، وهذا هو شأن العراقيين ذلك الشعب الذي يفوح أريجاً من عبق تاريخه المجيد. وما ثورته التشرينية المباركة التي وُلِدَت قبل سنتين وستستمر حتى النصر المؤزَّر بإذنه تعالى إلَّا برهان ساطع على نوعية هذا الشعب العظيم، شعب الأمجاد والبطولات والمفاخر....
Reacties
Een reactie posten