فلسفة الثورة والشرعية الثورية والدولة المدنية / بقلم الدكتور فالح حسن شمخي
فلسفة الثورة والشرعية الثورية والدولة المدنية .
د- فالح حسن شمخي
علق احد رفاقنا الذين اجلهم وهو من الذين له باع طويل في مجال العمل السياسي بجانبه النظري والعملي على موضوع لي حمل عنوان ( المبادرة والابداع في العمل الثوري )، والراي الذي طرحه ، يقول علينا ان نتجاوز فلسفة الثورة والشرعية الثورية والمفاهيم والمصطلحات الثورية في طروحاتنا ، وان نتوجه الى الشعب العربي بخطاب جديد يتناسب مع المرحلة التي نعيش فيها ، علينا ان نتحدث عن الدستور الدائم وحقوق الانسان والحريات والتوزيع العادل للثور ، واستشهد بتقرير رفعه الى شهيد الحج الاكبر وناقشه فيه العام ١٩٨٠، ملخص التقرير:
١- المواطن متهم حتى يثبت عكس ذلك وخصوصا في المطارات .
٢- المواطن لص حتى يثبت عكس ذلك بالاسواق المركزية .
٣- استنساخ التجربة السوفيتية خطأ فادح .
وقدم مقترحات بهذا الخصوص وقد نالت رضى واستحسان المرحوم.
طرحت هذا الرأي على الدكتور عبد الله شاهين من القطر الاردني الشقيق ، فكانت اجابته فيها شيء من التشاؤم، بعد ان استعرض التاريح العربي والدعوات الى الحياة المدنية منذ محمد عبده في مصر مرورا بالجابري الى يومنا هذا وقال ان المجتمع العربي غير مستعد للدولة المدنية بفعل العادات والتقاليد ومنها العشائرية والدينية الطائفية.
ولقد حصلت على راي الاستاذ سعدون المشهداني ، الذي قال ، ان الاحزاب الثورية عليها ان تخاطب الجمهور بالمفاهيم والمصطلحات الثورية لاسيما في مرحلة النضال السري وعلى الثوار تفعيل فلسفة الثوري والشرعية الثورية لاسيما في مرحلة ماقبل الثورة وفي المرحلة الانتقالية بعد استلام السلطة من اجل القضاء على الفوضى والفساد ومن ثم الانتقال الى بناء دولة المؤسسات ، الدولة المدنية.
لقد وعدت رفيقنا بالبحث بهذا الموضوع وها انا احاول البحث .
فلسفة الثورة :
من المفيد ان تناقش الكتب والدراسات التي تناولت فلسفة الثورة بين طلاب وباحثي العلوم السياسية بوجه خاص واعضاء الاحزاب الثورية ، ففلسفة الثورة هي من ضمن تخصصات العلوم السياسة والفروع القريبة منها ولاسيما قضايا العمل العام والعمل الحزبي وإدارة الدولة ، لقد كتب المرحوم جمال عبد الناصر كتاب مهم عن فلسفة الثورة وهناك من كتب عن فلسفة الثورة الجزائرية وفلسفة الثورة الحسينية ، ولقد لخص الفرنسين فلسفة ثورتهم ومبادئها من خلال أفكار الفلاسفة: جان جاك روسو وفولتير ومونتسكيه، ورفعت عبارة: (الحرية – الإخاء – المساواة) كشعار لها، ولكن إلى أي مدى التزمت الثورة بهذا الشعار سواء على صعيد الداخل الفرنسي إبان الثورة أو على صعيد سياسة حكومتها الخارجية فيما بعد؟
فلكل ثورة فلاسفتها وكتابها وباحثيها ، واجب هؤلاء هو صياغة شعارات الثورة وتطلعاتها ومفاهيمه ووضعها في اطارها الفلسفي كما هو الحال مع الثورة الفرنسية والسوفيتية والصينية …الخ .
يقال ان للثورة والقانون مفهومان متعارضان بطبيعتهما ، الثورة تقوم لأن الناس تقرر أن التغيير فى إطار النظام القائم والقوانين التى تحكمه لم يعد كافيا أو ممكنا، وأنه يجب الخروج على هذا الإطار وهدمه من أجل إعادة بناء مجتمع جديد ، لا يمكن تصور أن تقوم ثورة وتحترم النظام القانوني السابق وإلا كانت مجرد حركة إصلاح أو تغيير. والتناقض بين الثورة والقانون حتمي ولو لفترة معينة، إلى أن يجد المجتمع أنه قد قام بالتغييرات المطلوبة في الدولة والحكم والسلطة، فيبدأ فى إنشاء نظام قانوني جديد يستمد منه شرعيته، وهذا الرأي ينسجم الى حد ما مع وجهة نظر الاستاذ سعدون المشهداني.
الدولة المدنية :
الدولة المدنية التي يدعونا رفيقنا لرفع شعاراتها والتحدث بمفاهيمها ومصطلحاتها حتى وان كان الحزب الثوري لم يستلم السلطة بعد فهي الدولة التي تحافظ وتحمي ابناء الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية حتى لايشعر المواطن بانه خائن او سارق الى ان يثبت العكس .
و هناك مبادئ متفق عليها ينبغي توافرها في الدولة المدنية وأهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم ، كما يحصل الان في العراق على يد العشائر والمليشيات .
من مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، كذلك مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات ، وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين.
أيضا من أهم مبادئها أن تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهي ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لاينبغي تجاوزها. ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة ، كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه ،حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية.
الشرعية الثورية
ليس هناك ثورة في التاريخ تطيع الدستور. الثورات تكون دائماً وأبداً مخالفة للقانون السائد ، ومفهوم الشرعية الثورية يأتي بالتحديد من صلب هذه الحقيقة:
الثورة تستمد شرعيتها من نفسها وليس من أي قانون وضعي.
الثورة هي حالة فوق الدستورية وفوق القانونية ولا تخضع للدستور والدولة المدنية وفي خلال المرحلة الانتقالية يسود مفهوم الشرعية الثورية، بمعنى أن أحكام القضاء أو الاعلانات الدستورية الفوقية تُعتبر غير مُلزمة وغير شرعية إذا تناقضت مع شرعية الثورة ، وبانتهاء الحالة الثورية أو الفترة الانتقالية ، تكون الدولة مستعدة للانتقال من الثورة إلى القانون ، وهو ما سوف يحدد فعليا نجاح أو فشل المرحلة الانتقالية.
ولكن الانتقاء بين الثورة والقانون بما يحقق أهدافا سياسية ضيقة وقصيرة المدى هو بداية الاستبداد لأن قيمة القانون تتراجع، بينما الشرعية الثورية لا يتم احترامها حقيقة ، لنحترم الشرعية الثورية ولنحترم القانون ايضا، وليكن ذلك عن طريق وضع مسار واضح للانتقال بينهما وفقا لما يحقق الصالح العام والتوافق الوطنى، وإلا فسنجد أن ما نشرعه اليوم من قوانين بالمخالفة للدستور ولمبادئ التشريع سوف يلاحقنا غدا حينما تدور الدائرة فلا نجد لا قانونا يحمى، ولا ثورة تدافع عن مصالح الناس.
Reacties
Een reactie posten