القمة العربية الإسلامية فرصة أخرى ضائعة إن لم نقرن القول بالعمل./ بقلم بدر الدين كاشف الغطاء

  القمة العربية الإسلامية فرصة أخرى ضائعة إن لم نقرن القول بالعمل.

بدر الدين كاشف الغطاء

11 /11/ 2023

صدر يوم 11/11/2023 بيان القمتين المدمجتين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وكان المفروض ان تنعقد القمة العربية يوم 11/11 تتلوها القمة الاسلامية يوم 12/11 ، لكن يبدو ان خلافات حصلت داخل المجموعة العربية حول عناصر البيان الختامي للقمة العربية، مما دعا الى اللجوء الى حل "عبقري" يدمج القمتين ويخفف الضغوط على الجميع، مع أن القمم المشتركة تعقد عادة بين نظيرين، وبما ان جميع الدول العربية اعضاء في منظمة التعاون الإسلامي فكان المطلوب الاكتفاء بتسميتها القمة الإسلامية.

        قرار القمة العربية والإسلامية المشتركة لم يرق الى الاستجابة للغضب العربي العارم على جرائم الصهاينة، ولآمال الجماهير العربية التي انتظرت استعمال الدول العربية، مجتمعة ومنفردة، أدوات الضغط التي تملكها ، وهي أكثر من أن تحصى، لإجبار الكيان الصهيوني على وقف عدوانه المستمر منذ أكثر من شهر على الشعب الفلسطيني، ولإعادة ثقة الجماهير بالنظام الرسمي العربي. إضافة الى أن ما جاء في بيان القمة من إجراءات ،على شحتها، ينتظر الامتحان عند التنفيذ.

وأدناه خلاصة بأهم فقرات قرار القمة العربية والإسلامية المشتركة::

في فقراته الأولى عرض بيان القمة المواقف المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، وأغلبها  وردت في قرارات عربية ودولية سابقة واستذكارها  هو تحصيل حاصل ، مثل تحميل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، مسؤولية استمرار الصراع وتفاقمه نتيجة عدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وإن السلام العادل والدائم والشامل لن يتحقق من دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وادانة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وإدانة اجراءات إسرائيل اللاشرعية التي تنتهك حرية العبادة،

بعد ذلك استعرض بيان القمة الاحداث بعد طوفان الأقصى بصيغة الرفض والشجب والاستنكار، فرفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة. وأدان تهجير حوالي مليون ونصف فلسطيني، ورفض محاولات النقل الجبري الفردي أو الجماعي أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني ، وطالب بوقف جرائم القتل التي ترتكبها قوات الاحتلال وإرهاب المستوطنين، وأدان قتل الصحفيين والأطفال والنساء واستهداف المسعفين واستعمال الفسفور الأبيض المحرم دوليا في الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، وأدان الأفعال والتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية لوزراء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها تهديد احد هؤلاء الوزراء باستخدام السلاح النووي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. واستنكر ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.

 ثم في الجزء التنفيذي طالب بيان القمة المجتمع الدولي ومؤسساته ودوله بأمور كثيرة ، أهمها مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر الى سلطات الاحتلال، ومطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار فوري يدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة ومنع إدخال الدواء والغذاء والوقود إليه، والطلب من المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية استكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وضرورة تنفيذ إسرائيل التزاماتها بصفتها القوة القائمة بالاحتلال ووقف جميع الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التي تكرس الاحتلال، وضرورة تحرك المجتمع الدولي فوريا لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على اساس حل الدولتين

 وأخيرا عرج بيان القمة على بيت القصيد، وهو ما يجب على أهل القمة فعله ، وبالذات القادة العرب، فكان عاماً ومحدودا، وركز على دعوة عامة غير محددة بإطار زمني تقول "دعوة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية  لممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية واتخاذ أي اجراءات رادعة لوقف جرائم سلطات الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية" و "كسر الحصار على غزة وفرض ادخال قوافل مساعدات إنسانية عربية واسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري" ،كما كلف بيان القمة "وزراء خارجية المملكة العربية السعودية بصفتها رئاسة القمة العربية والإسلامية، وكل من الأردن - مصر - قطر - تركيا - اندونيسيا – ونيجيريا وفلسطين وأية دول أخرى مهتمة، والأمينين العامين للمنظمتين بدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة". كما طالب بتفعيل شبكة الأمان المالية العربية والإسلامية لتوفير المساهمات المالية وتوفير الدعم المالي والاقتصادي والإنساني لحكومة دولة فلسطين ووكالة الأونروا.


الاستنتاجات


أولا: في العلاقات الدولية المعاصرة لا تؤتي الدبلوماسية ثمارها إن لم تكن مزيجا من القوه الصلبة والقوة الناعمة ، بمعنى القدرة على المنع والمنح، ولحد الآن لم تكن الدبلوماسية العربية ، الجماعية منها أو الفردية، قادرة على تحقيق نجاح يذكر في مواجهة الحرب العدوانية الإسرائيلية المتواصلة على شعب  فلسطين منذ طوفان الأقصى، لإنها كانت دبلوماسية بلا أنياب. وبيان القمة أشار بلغة عامة الى ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية، مستثنياً الضغوط الاقتصادية مع انه طالب الآخرين بوقف تصدير السلاح للكيان لصهيوني وهو اجراء ذو بعد اقتصادي . وإذا لم تعلن الدول العربية مجتمعة أو منفردة بعد القمة استعدادها لفرض عقوبات دبلوماسية وسياسية وقانونية واقتصادية على الكيان الصهيوني ومن يدعمه فلن يكون للتحرك الدبلوماسي العربي والإسلامي تأثير يذكر. 

أما إعلان كسر الحصار على غزة ، فهو قرار شجاع إذا جرى تنفيذه، وغير معروف هل يعني ذلك انهاء سيطرة الكيان الصهيوني ، من خلال ممثل الاتحاد الأوروبي، على المعابر مع مصر وفق اتفاق عام 2005، أم العودة الى ذلك الاتفاق المتوقف حاليا بسبب العدوان الصهيوني على غزة، وهو اتفاق سيء وأصبح بالياً وتجاوزته الاحداث.


ثانيا:  يحدد الباحثون الاستراتيجيون قدرات الأمم من خلال ثقلها الديموغرافي والجغرافي ومواردها الطبيعية، وبموجب هذا التحديد فإن الامة العربية يفترض أن تكون قطبا عالميا مرموقا، لكن الوقائع تقول إن عناصر القوة الكامنة غير كافية لتحديد أيّ من الأمم سيصنع التاريخ، فالتاريخ تصنعه الأمم التي تتخذ قرارات استراتيجية بشأن أين ومتى وكيف تطلق الامة قواها القائمة والكامنة، وكيف تعزز لُحمتها القومية وكيف تختار حلفاءها وأي حرب تخضونها وأي صراع تتجنبه. وكان طوفان الأقصى، ولازال، فرصة الأمة لأن ترد لنفسها الاعتبار بعد (75) من الاحتلال والقهر . ولا يكفي القاء العبء على "المجتمع الدولي ومنظماته" لإحقاق الحق، بل يجب ان تقدم الأمة كل ما يمكن ان تقدمه لوقف العدوان ونيل الحقوق، وأن تتوقف دولنا عن ممارسة أصبحت ممجوجة تتمثل في السعي لتجميل صورتها أمام الغرب وادعاء احترامها لقيمه والافراط في تأكيد تمسكها بالسلام كخيار إستراتيجي، فالغرب لا يفهم غير لغة القوة ولغة المصالح.


ثالثا: لقد عَبَرَ الفلسطينيون، من الطفل الى المقاتل، حاجز الخوف من الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة ، ومطلوب من صناع القرار في أمتنا عبور حاجز الخوف من تهويلات الماكنة الإعلامية الغربية وتهديدات سياسيي الغرب، وأن يقولوا الحقيقة ويعبروا عن إرادة شعبهم . وأسوق لهم مثالاً أخيرا، فقد نشر دانيال ليفي المفاوض الإسرائيلي السابق في اتفاقية أوسلو الثانية مقالا في صحيفة نيويورك تايمز يوم 8/11/2023 قال فيه (حماس مغروسة في صلب نسيج المجتمع الفلسطيني وبالتأكيد زادت شعبيتها ليس بسبب تعطشها للدماء بل لأن الخيارات الأخرى لتحرير فلسطين أصبحت مغلقة بوجه الفلسطينيين ) وأضاف (حماس لا تمثل تهديدا وجوديا كما تظن إسرائيل، بل التهديد الوجودي هو غلوّ إسرائيل وتطرفها). 

وأسأل : لماذا لا زال نظامنا الرسمي العربي وإعلامه يتجنب قول الحقيقة التي قالها مسؤولون وأكاديميون يهود ؟؟

ولماذا نسمح  للصهاينة أن يدّعون أن بعض صناع القرار العرب طلبوا منهم سحق حماس ولا يُرَدّ عليهم؟


رابعا: منذ طوفان الأقصى ووسائل إعلام "ولاية الفقيه" وذبابه الالكتروني يوجهون الاتهامات للملوك والرؤساء للعرب بخذلان أشقائهم الفلسطينيين، وهدف ولاية الفقيه هو أولاً التغطية على قرارها بعدم "توسيع نطاق الحرب" رغم ادعائها بأنها تحمل لواء المقاومة، وذلك بعد تهديد وزير الخارجية الأمريكي لها بضربة ماحقة قد تزيل حكمها. ولذلك وجهت ولاية الفقيه ميلشياتها في المنطقة بالاكتفاء بالمناوشات. والهدف الثاني لولاية الفقيه هو استغلال الموقف الرسمي العربي المتأرجح لتأجيج  العداء  والحقد الفارسي على الأمة العربية.


خامساً  : لا شك إن تقصير النظام الرسمي العربي والحكومات العربية يعود في بعض جوانيه الى  تقصير الجماهير في إيصال صوتها الى حكوماتها، ومطلوب من الجماهير  ومنظماتها  الطلب من حكوماتها إنهاء سياسات الانتظار، وتوحيد الكلمة لمواجهة غول متوحش بأنياب نووية يعتبر نفسه فوق القانون ويعتبر أبناء الأمة "حيوانات بشرية" . وبقدر حيوية الجماهير وقدرتها على إيصال صوتها لأولياء الأمر عن طريق التظاهر وأنشطة منظمات المجتمع المدني ووسائط الاتصال الاجتماعي يحصل التغيير. ورأينا كيف ان قادة الدول الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني بدأت بتغيير مواقفها بعد التظاهرات العارمة في بلدانهم.

والله المستعان

بغداد في 11/11/2023

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي