غزة تستغيث ضمائرنا / بقلم ا.د ابو لهيب
غزة تستغيث ضمائرنا
أَ.د أَبولهيب
يمر اليوم أكثر من شهر على القصف الهمجي لقطاع غزة، بينما لم تزل المواقف العربية تتراوح بين التصريح الخجول والتصريح الخذول؛ بما لا يؤشر على أدنى مؤازرة حقيقية أو تعاطف إنساني، إن لم يكن تعاطف الدم والدين، على الرغم من أعداد الشهداء التي فاقت عشرة آلاف، ٧٠ في المئة من الأطفال والنساء، والدمار الهائل الذي أصاب القطاع من جهاته الأربع. ولا أدري كيف يتخيل هؤلاء الساقطون من العروبة والإسلام ما سيكتبه عنهم التاريخ، وما سترويه الأجيال المتعاقبة عن مواقفهم الجبانة المتخاذلة من هذه الأحداث الجسام التي لا يمكن وصفها بأقل من جريمة الحرب والإبادة الجماعية على أعينهم وأعين العالم المنافق ومسمعهما .
صحيح أن بعض الدول العربية كان لها مواقف معقولة مما يجري كالجزائر وتونس وقطر، إلا أن حجمها السياسي وقدراتها العسكرية، وموقعها الجغرافي؛ لا تمنحها الفرصة لاتخاذ موقف يتسم بالتحدي والصلابة، بينما ثمة دول مطبعة تمتلك قدرات عسكرية ووزنا سياسيا نسبيا ، وقفت موقف المتفرج أو المشارك المصطف في جانب العدو، كموقف مصر المتخاذل الهش الذي عرته المعركة، وكشفت ظهره فوق ما كان قبل المعركة، وربما كانت مصر هي الدولة العربية الوحيدة القادرة على التدخل بثقلها التاريخي- دبلوماسيا أو عسكريا؛ لو كان فيها قيادة محترمة وجيش على أهبة الاستعداد، لا يعمل في بيع الطماطم والبطاطا، ولا يعمل مزارعا في المزارع الفاشلة التي صرف عليها مئات الملايين من الجنيهات عبثا .
يأتي الموقف العربي المتخاذل في ظل محرقة لا تتوقف، واجتياح بري تتصدى له المقاومة بتحد وشجاعة وعنفوان عز مثيله في أي بقعة من العالم، بينما تنتفض الشعوب العربية كالأسود التي تحيط بها همجية القوة العسكرية وإغلاق الحدود؛ ولو فتحت الحدود لوجدت طوفانا عربيا بشريا بالملايين يقتحمون أرض فلسطين من جهاتها الأربع؛ لكن قدرنا أن تحيط بفلسطين أنظمة خانعة مستسلمة جبانة، كل ما يعنيها أن تبقى على كراسيها وإن كانت تلك الكراسي من قش، لا وزن لها ولا قيمة .
في المقابل فإن صمود أهل قطاع غزة ومقاومته تؤشر على انتصار كبير على الرغم مما تتعرض له من تدمير، ومحاولة للاجتياح والتهجير، وقتل ممنهج على سمع العالم المتآمر وبصره. وهنا لا بد من أن نشير إلى أن غزة وإن تكبدت أحد عشر ألف شهيد وخمسة عشر ألف جريح إلا أنها بخاصة وفلسطين بعامة أمة ولادة سرعان ما تعوض الشهيد بعشرة مشاريع شهادة؛ ففي غزة وحدها معدل الولادة سنويا يقدر بـ55 ألف طفل، وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي كان عدد النساء اللواتي سيلدن ٥٥٠٠ امرأة حامل، ولا ندري كم منهن استطعن الولادة بأمان، وكم منهن استشهدن هنّ وأجنّتهن، لكن كل ما نعرفه أن غزة قادرة على الصمود وأن كل جيل يأتي للحياة يكون أكثر قوة وتحديا وإصرارا على الانتصار، كيف لا؟ ولا يوجد بيت في القطاع إلا وفيه شهيد أو جريح أو أسير .
ولنا في قوله تعالى: "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون"؛ فالكيان يألم ألما شديدا؛ جراء قتلاه وأسراه والدمار الذي أحدثته صواريخ المقاومة، في تل أبيب وعسقلان وسيديروت وكيسوفيم وأسدود وكل مستوطنات غلاف غزة التي أفرغت من سكانها؛ فشكل ذلك عبئا كبيرا على الكيان المحتل الذي يتخبط فيما آلت إليه الأوضاع الميدانية والسياسية التي تنخر في جسم الكيان وتعرضه لأكبر حالة انقسام داخلي يبشر بسقوط نتنياهو وحدوث أزمات داخلية، هذا ناهيك عن عملية طوفان الأقصى بحد ذاتها، التي جردت الكيان من كبريائه المزعوم وهيلمانه الكاذب .
ويكفي أن نتابع ما يجري في الكيان من مماحكات ومشكلات ذات صلة بالأسرى لدى حركة حماس؛ الذين قتل منهم تحت القصف نحو ٦٠ أسيرا حتى اليوم. وهو ما أدى إلى توترات وارتباكات وأكاذيب كلها تصب في مطلب واحد ألا وهو إسقاط نتنياهو وإخراجه بعيدا عن الساحة السياسية ومحاكمته ورفضه من جموع الصه،،،،اينة بكل أطيافهم العرقية والأيديولوجية باستثناء بعض حلفائه من اليمين المتطرف.
أما الاجتياح الذي بدأ في قطاع غزة، فلا أظنه سينجح، ولا أراه قادرا على الصمود، فالمقاومة أعدت له ما يلزم من الطاقات البشرية والأسلحة المؤاتية، ومهما بلغت التضحيات فغزة منتصرة، والعدو إلى خسار وبوار، بإذن الله .
فألف ألف رحمة على ارواح شهدائنا الابطال ، وندعو من الله الشفاء العاجل لجرحانا .
Reacties
Een reactie posten