العباءة الديمقراطية / بقلم الدكتور فالح حسن شمخي

العباءة الديمقراطية  

الدكتور فالح حسن شمخي



الديمقراطية تعني حكم الشعب ، أي إن الشعب وحده له الحق في ممارسة السلطة في الدولة بوصفه صاحب السيادة فيها والديمقراطية تقوم على مبادئ أساسية وهي الحرية والمساواة والمشاركة وديمقراطية من هذا النوع تسهم في بناء مجتمع مدني ، والمجتمع المدني المنشود لا  يأتي بوصفه سحرية أو بقرار أو عبر فوهة بندقية  ، بل يأتي عبر عملية تراكمية طويلة ومستمرة و العملية الديمقراطية وبناء المجتمع المدني عملية تتداخل فيها عناصر عديدة من أهمها الحرية ونزاهة القضاء والتي تساعد في بناء المجتمع الديمقراطي. 

الديمقراطية الشكلية والانتخابات التي يريدها البعض في العراق وخاصة القوى الدينية والتي  ليس لها مضمون هي التي تتستر بستار عصري تخفي وراءه هذه القوى ميولها الاستبدادية والتي عرفها شعبنا خلال سنوات ، فالقوى الدينية التي لبست العباءة الديمقراطية و التي جاء بها المحتل جاهزة استطاعت إن تتحكم بمقدرات شعبنا عبر شعارات ديمقراطية زائفة لا تنسجم مع حقيقتها المعروفة، وديمقراطية من هذا النوع لا يمكن أن تكون هي الديمقراطية التي يتطلع لها شعبنا وهي لا تتعدى إن تكون ديمقراطية شكلية تضفي الشرعية على القيم والمعتقدات التي يؤمن بها هذا الرهط الذي يمثل المصالح الاستعمارية الجديدة في ثروات بلادنا ، والديمقراطية هذه ستكون مصدر أزمة للبلد يتعذر معها تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي المنشود.


الانتخابات  وفق المفاهيم الديمقراطية الحقيقية التي يحتاجها شعبنا هي انتخابات تقود إلى قيام حكم شعبي والذي يمثل إرادة الشعب ويخضع لرقابته وهي التي تمنح الشعب كافة الحقوق والوسائل التي تكفل توعيته وزيادة مساهمته في البناء وهي التي تمنح الشعب القدرة على انجاز التحرر الناجز والانتخابات التى ستحقق الديمقراطية المنشودة هي التي يجب أن تحقق العدالة الاجتماعية التي تعطي الفئات المسحوقة فرصة تنظيم نفسها سياسيا ونقابيا من اجل الوصول إلى مجتمع خاليا من أي شكل من أشكال الصراع الطبقي. 


إن المقياس الصحيح للانتخابات هو ممارسة الشعب الاختيارية لحقوقه وليس مظاهرات التأييد والتصفيق المدفوعة الثمن التي تمارسها السلطة الحاكمة أو التحشيد بالمناسبات الدينية التي تمثل اعتزاز وتمسك المجتمع العراقي بتراثه الديني، فديمقراطية الإثارة الحماسية ديمقراطية مزيفة لدخول عوامل التهيئة والخوف والانتهازية فيها ، وكل حكم يشكل على أساس التأييد وجعله أكثر ضجيجا هو تشويه للديمقراطية ، إذ إن الانتخابات الديمقراطية الشعبية الصحيحة هي التي تمثل القاعدة الجماهيرية وآراءها وليس التي تنقل أراء مجاميع دينية تدفع الشعب دفعا وبأساليب وإشكال ملتوية لتبني هذه الآراء .

إن أي فصل بين الديمقراطية وبين نزوع الشعب إلى التحرر والانعتاق من أي شكل من أشكال الهيمنة سيقود إلى إفراغ الديمقراطية من محتواها وكذلك الفصل بين الديمقراطية وبين التطور الاجتماعي والاقتصادي (إلغاء التمايز الطبقي) سيقود حتما إلى نفس النتيجة ، فالديمقراطية الحقيقية هي ديمقراطية الشكل الذي يعبر بصدق عن المضمون المنحاز إلى تطلعات الجماهير ويشكل سياجه الخارجي الجميل .

اخيرا علينا ان نقر بان الديمقراطية مفهوم نظري وعملي مستورد ، فلا يدعي البعض بأن الديمقراطية هي جزء من تراثنا وتاريخنا ، ويحاول ان يفسر البعض من ايات القران الكريم على انها شكل من الاشكال الديمقراطية ، الديمقراطية مفهوم حديث علينا كعرب ومسلمين وهو بحاجة الى زمن من التدريب والفهم والممارسة ، ان كل اشكال الحكم في الوطن العربي تتحرك على هامش الديمقراطية و تطبق مقولة ، (العصى لمن عصى )،  وشعبنا للاسف لم يصل الى مستوى انتزاع حريته التي تؤدي الى ديمقراطية حقيقية ، وعلى شعبنا ان يعرف ان الدول الاوربية انتزعت حريتها انتزاعا ، وبالعودة الى تاريخ الديمقراطية في الدول الاسكندنافية على سبيل المثال ، نجد ان الشعوب حصلت على حقوقها وديمقراطيتها بالنضال الطويل والتضحيات الجسام .

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي