في الذكرى الثانية لمجزرة السنك / بقلم ..د.عباس العزاوي

في الذكرى الثانية لمجزرة جسر السّنك 

   


           

أروَاح شُهدَاء جِسر السِّنَك(الرَّشِيد)

تُعَانِقُ دَجلةَ، وتَشكِي غَدرِ الخَائِنينَ

                                                

د.عباس العزّاوي

كثيرةٌ وعميقةٌ هي عذابات العراقيين في ظل عصابات حكومة الاحتلال الباغية، وكثيرةٌ وعميقةٌ أيضاً هي انجازات العراقيين وملاحمهم البطولية، منذ فجر تاريخهم التليد الى اليوم. ومن هذه الانجازات في سفرهم الخالد، دفاعهم الأسطوري عن وطنهم الغالي بأرواحهم ودمائهم الزكيَّة. فقد سجَّلوا أروع المفاخر والأمجاد في التضحية والفداء من أجل تراب الوطن، وما جولة الحقّ الكبرى، والملحمة العظمى في قادسية العرب الثانية، التي انتصروا فيها نصراً ناجزاً على عدو العراق والأمة أحفاد كسرى في دولة ايران السوء، إلَّا واحدة من روائع انجازاتهم، ومفاخر صولاتهم ضدَّ العدوان الذي يستهدف تراب وطنهم الطهور. تلتها وقفتهم البطولية المُثلى في مقاومة الاحتلال الأمريكي الغاشم، ولم يَغمدوا سيوفهم الحِداد، ويترجَّلوا من خيولهم السوابق، حتى أثخنوا الجراح بالمحتل الأمريكي، مكبدينه آلاف القتلى، وأضعافهم من الجرحى، فاندحر خاسئاً وولَّى هارباً يجرّ أذيال الخيبة والخسران من أرض الرافدين العصيَّة. واليوم وبعد أن نصَّب المحتل الأمريكي بالتعاون والتحالف مع العدو الايراني الصفوي، زمرة من العصابات الاجرامية في حكم البلاد والعباد، فقد انتخى شباب العراق الحرّ الثائر لكل أبناء العراق الأصلاء، ليتصدى لحكومة الاحتلال وأحزابها المجرمة، ويخرج بالملايين في ثورة شعبية سلمية في الأول من تشرين عام2019م. لكنَّ خونة الدار والديار من حكَّام المنطقة الغبراء، تُعاونهم ميليشيات أحزاب الخسَّة والنذالة، قاموا بالتصدي للشباب السلميين، بكل وحشية وهمجية غير مسبوقة، مستخدمين الرصاص الحيّ والقنابل المسيلة للدموع في نيَّة مبيَّتة لقتل أكبر عدد من شباب العراق الذين كانوا بعمر الزهور، مما أدى الى استشهاد المئات منهم، وجرح الآلاف، واعتقال المئات في سجون سرِّية تحت الأرض. ومن أبشع أعمال القوات الحكومية القمعية وميليشيات الأحزاب الصفوية، ما قاموا به في السادس منمنا كانون الاول من العام 2019م بتوجيه بنادق الحقد الأسود الى صدور الشباب العارية، وينهالوا عليهم دونما رحمة باستخدام الرصاص الحيّ والقنابل الحارقة والخانقة في منطقة جسر السنك أو الرشيد الرابط بين منطقة الصالحية في جانب الكرخ، ومنطقة السنك والقاضي في جانب الرصافة. أسفر هذا العمل الاجرامي عن استشهاد أكثر من 80 من ثوَّار تشرين السلميين، وجرح136آخرين، بعضهم كانت جروحهم بليغة، مما تسبَّب عنه تعوّقَ الكثير منهم. وهكذا ارتكب صنيعة المحتل وأتباع الفرس جريمتهم النكراء بحقّ أبناء العراق من الشباب المنتفض فقتلوا العشرات منهم بدمٍ بارد، في مواجهة ليست هي بمعركة حربية يبرز فيها السيف والرمح والدرع، بل هي معركة بين الحق الذي يمثّله العراقيون والباطل ممثلاً بالفرس الأوغاد وتوابعهم وأذنابهم، هي معركة بين البغيّ والطغيان والظلم من جهة، والعدل وارادة الخير من جهة أخرى. فالأيام المرَّة الخانقة التي يعيشها أبناء العراق الأماجد حيث يكابدون صنوف القهر والضيم والمعاناة من الطُغاة الحاكمين باسم(الولي الفقيه)في قم وطهران،  جعلته يرفض جبروت  وطغيان وفساد حكومة الاحتلال وأحزابها المارقة. فلم يخضع هذا الشعب الأبيّ أو يقبل أن يُذَلَّ على أيدي الخائنين الشُذاذ الذين جاء بهم المحتل الغاشم من شُتات الأرض. فقد أبَت رجولة وعروبة وكرامة أبناء الرافدين أن تستكين أوتستسلم للأوغاد الحاكمين فيكونوا خانعين خاضعين، عندها كانت المواجهة غير المتكافئة بينَ مَن يرفع علم العراق وهويته الوطنيَّة، ومَن يشهر السلاح، قابظاً على الزناد، فيطلق وابلاً من رصاص الغدر تجاه صدور الشباب العارية. فالعراقيُّون الأُباة لن يخنعوا ويرضخوا للفرس وأذنابهم المارقين وهم يدنسون أرض الرافدين الطاهرة، وتالياً فلن يسكتوا عن الباطل ويصبروا على الضَّيم حيث يلاقون صنوف الاستبداد والبغي والاستكبار على أيدي هؤلاء المتفرسين الذين اغتصبوا الوطن في ليلة ظلماء، حيث يسومون أبناء شعبنا شتى أنواع العذاب من قتل وابادة جماعية وهضم للحقوق واستباحة المقدسات والثوابت الوطنية. عندها انتخى رياحين العراق النشامى....هؤلاء الثوَّار الذين كان خِطابهم:(اذا لم يكن من الموت بُدٌّ فليَكُن هوَ الموتُ). بعد أنْ أيقنوا أنَّ العراق في ظل هؤلاء المارقين الأوغاد ماضٍ الى هولٍ هائلٍ، وشرٍّ ماثلٍ، وبلاءٍ نازلٍ، وكأنَّهم يقولون(فقَدتُ سَلامي فَقَدتُ ارتياحي.....فقَدتُ وجودي فَقَدتُ كياني)، فكانت وقفتهم البطولية الشجاعة لانتشال العراقيين من جحيم الاحتلال ونتائجه المشؤومة.

ومع قناعتنا التامة أنَّ الموتَ هو حقٌّ علينا، لكن يبقى الحزن مخلوقٌ يفرض نفسه علينا شئنا أم أبينا، رغم هذا فإنَّنا نُناجي أرواح أبناءنا الشهداء ونقول لهم:أيُّها الشُّهداء الأبرار في جسر السِّنك وساحات وميادين العِزّ والكرامة، لقد عظُم في أنفسنا مصابكم يا فلذات الأكباد،  وأنَّ فراقكم يشيع الحزن والأسى فينا، لكنَّنا راضون بقضاء الله وقدره، مُذعنون لأمره تعالى، مؤمنون بحكمته سبحانه، ورغم كل هذا نجد أنفسنا وقد خنقتنا العبرات، فالقلب ملآن بالحسرات والأنَّات والغصَّات. قد كنتم أيُّها الأبطال في محبة وعشق خالصَين للعراق وشعبه، صادقين في انتمائكم للوطن، مُوفِين للعهد، مُضَّحين بالأنفس، أفلا يحقُّ لنا بعد هذا أنْ نحزن ونأسَ لفقدكم أُّيُّها الأحبة؟ وقد رحلتم عنَّا في عزٍّ وفخر وكبرياء وشموخ.

يا رياحين الشباب وزينتهم، لا ندري متى تهدأ النفس من فورتها وتدفقات الحزن لفقدكم  تتحرك في عروقنا؟ ألا لعنة الله على القوم الظالمين، أرباب الشرِّ الذين افتقدوا كل معاني القيَم الانسانية. لقد آثرتم المواجهة بصدور عارية، وبالكلمة الحقّ كانت تصدح ألسنتكم أيُّها الأبطال، يا قرَّة أعين العراقيين. قد عشتم سنوات الاحتلال الفارسي، وتسلط الأوغاد على العراق، فذقتم مرارة العيش النكَد، وتداعت عليكم الهموم والضيم والقهر وأنتم في ريعان شبابكم، أما وقد رحلتم عنَّا بأجسادكم، فإنَّ أرواحكم ترفرف في سماء العراق، كما هي أرواح اخوانكم شهداء ثورة تشرين الأبرار في كل الساحات والميادين والأماكن. لم يدرككم الضعف والوهن لحظة واحدة أيُّها النشامى، بل واجهتم القمع الوحشي بصدور ملآى بحب العراق العظيم، فكنتم أكرم منا جميعاً، وأرفع شأناً، وأعلى منزلة عند الله تعالى. انَّ شعبكم اليوم يحتفي بكم وبتضحياتكم الغالية، ويَعدكم أنَّه سيستكمل الثورة حتى النصر المؤزَّر على العملاء والخونة الذين تسلطوا على رقاب العراقيين، وأنَّهم ماضون في ثورتكم المباركة حتى يتحرر العراق من براثن الاحتلال الفارسي الصفوي، ويُركَل المجرمون من أعوانهم وأذنابهم خارج الحدود. لقد واصلتم التظاهر والاحتجاج وأعلنتم  الثورة على النظام القمعي الحاكم، فلم تيأسوا من نصر الله لعباده المؤمنين، ولم يتسرب الملل والضجر الى نفوسكم، رغم القمع الوحشي، ولم تهنوا وتركنوا لليأس فأكملتم المطاولة والتصدي بشجاعة فائقة رغم ما لاقيتموه من قتل واجرام على أيدي أجهزة القمع الحكومية والميليشيات المجرمة، فالله تعالى قطع الأسباب بين نفوسكم المُصَّفاة وبين ما يشوب حياة الضعفاء من الملل والفتور، وقصر المطاولة. لقد نجحتم وبتفوق عالٍ في الاختبار والبلاء الربَّاني العظيم، في ايمانكم بالله وبالحق الذي كنتم تصدحون به، هو امتحان في صبركم وتحملكم وثباتكم وعدم تراجعكم عن مطالبكم التي هي مطالب جميع العراقيين الأصلاء، فالله سبحانه قطع الأسباب بين نفوسكم المُصَّفاة والضعف واليأس والخوف. جاهدتم الظالمين وقاومتم الباطل وأهله، حتى ضاقت بكم الأرض بعد أنْ(تَحكَّمَ في الأرضِ طاغٍ وباغٍ......فدَانَت لحُكَّامها بالولاءِ). بعد أن كابدتم البغي والطغيان والاستبداد، ولكنَّ صدوركم كانت تتسع لكل العراق، ولم تضيقوا بالدنيا، ولم تيأسوا من رَوح الله، وكنتم في يقين تام من رحمته ومنَّته ولطفه فيما أنتم فيه. وهكذا ارتقت أرواحكم الى جوار باريء الخلق تعالى شأنه، في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، بعد أن قدَّمتم أرواحكم فداءً للعراق وأهله، وعنواناً للوفاء والتضحية، فإلى رحمة الله أيَّها الغُرِّ الميامين، وفي جنَّات الخلد ان شاء الله تعالى، وقريباً سوف تستبشر أرواحكم الطاهرة بالنصر العظيم الحاسم على الطغاة الفاسدين، وأسيادهم الفرس الصفويين

(ألَا إنَّ نَصرَ اللهِ قَريب)البقرة:214 



Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي