من ادبيات الملف الخاص بالرائد الإذاعي غازي فيصل )

 من ادبيات الملف الخاص بالرائد الإذاعي غازي فيصل )

*************************************



أوراق إذاعية \\ الحلقة الأولى

يكتبها : غازي فيصل

تفضل أخي الكريم الأستاذ الدكتور أحمد الحسو مشكورا بدعوتي للكتابة عن سيرتي وتجربتي الإذاعية لكي تنشر ضمن ملف خاص عني ينشر حاليا  في صفحة  :( المدينة الأم : بغداد) والمتفرعة عن صفحة ( النافذة الحرة ) على الفيس بوك . 

ولمن لا يعرف الشاطئ الآخر للدكتور الحسو أقول : إنه واسطة عقد الرعيل القدير للإذاعيين والإعلاميين العراقيين الكبار الذين أغنوا التجربة ورفدوها ونهضوا بمهامها بكل نجاح وتفان وآقتدار ونضحوا علينا نحن الجيل الذي تسلم منهم سارية الأمانة بفيض تجربتهم الغنية وإخلاصهم النبيل 

فلقد كان أطال الله في عمره وكانوا يرحمهم الله أفذاذا محنكين صنعوا مدرسة بغداد الإذاعية العتيدة بعلم إذاعي وقواعد مهنية سامية ستبقى شواهد في تاريخ الإعلام العراقي المتميز


 خطوات على الطريق

**************** 

قدمت من مدينتي الفراتية بابل الحضارة الى بغداد حاضرة   الدنيا عام ١٩٦٥ طالبا بقسم اللغة العربية في كلية التربية آنذاك تتنازعني رغبة جامحة وحلم جميل أن أحظى بالدخول الى عالم الإذاعة الساحر والعمل مذيعا ، وقد حملت هذا الطموح في سن مبكرة إذ كان قد نماه في نفسي أستاذي الجليل باللغة العربية المرحوم حميد خلخال .. فما إن آلتحقت بدراستي حتى وجدت نفسي تواقة للتوجه الى منطقة الصالحية وتقديم طلب بآختباري مذيعا.. وفعلا قصدت آستعلامات الإذاعة وقدمت طلبي وأبلغوني بالحضور بعد يومين ريثما يمر الطلب بالمراجع المعنية.. حضرت في الموعد المقرر وكانت موافقة مدير الإذاعة عبد الرحمن فوزي قد صدرت بآختباري من قبل لجنة برئاسته وعضوية رئيس قسم المذيعين سليم المعروف ورئيس قسم البرامج عبد الله العزاوي والمشرف اللغوي كاظم الطباطبائي والمخرج زهير عباس 

لقد كانت دقائق ثقيلة وعصيبة مرت علي في ستوديو التسجيل الإذاعي كأنها دهر وأنا أقرأ النصوص التي قدمت لي بعد مروري بآختبار شفوي.. لكن ما أراحني بعد مغادرتي الآستوديو انفتاح أساريرهم وكأنهم يعبرون عن رضاهم بصمت..! ..وطلبوا مني الآنتظار في قسم المذيعين المجاور لحين تداولهم مع مدير الإذاعة...وبعد حوالي ساعة أحضروا طلبي وقد حرروا عليه تزكية لجنة الآختبار ومصادقة المدير وأبلغوني بالدوام في اليوم التالي 

ولا يمكن أن أنسى ذلك اليوم الذي سجلت فيه مباشرتي  وتثبيت آسمي بجدول عمل المذيعين وسط ترحيب أعضاء القسم الكبار الذين شهد لهم أثير الإذاعة صفحات من التجليات والإبداع حتى دخلوا في قلوب الناس وآستأثروا بمحبتهم الصادقة .. وأذكر منهم بآعتزاز .. سليم المعروف .. أحمد الحسو .. مال الله الخشاب.. طارق حسين..بهجت عبد الواحد .. كلادس يوسف.. ابراهيم الزبيدي .. عبد اللطيف السعدون .. موفق خضر ..موفق السامرائي .. عبد الكريم الجبوري.. صلاح الدين سعيد .. محمد عبد الجليل الحديثي.. حسين حافظ.. غازي الحمداني ..موفق العاني .. موفق الجنابي .. والعديد من الإذاعيين الأفذاذ 

وكان من مراحل تأهيل المذيع الملتحق حديثا حينذاك تدريبه على شتى أنماط التقديم الإذاعي حتى يقوى عوده ويصل بعد مدة مناسبة الى مستوى التمكن من إذاعة مواجيز الأخبار قببل النشرات التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.. فمن تقديم فقرات المنهاج اليومي الى تقديم - طلبات المستمعين - وقراءة الإعلانات الرسمية والمرور بفترات البث الإذاعي على آمتداد اليوم ثم إعداده بعد فترة مناسبة لقراءة موجز أخبار برعاية مذيع الفترة الأقدم وبإشرافه المباشر 

وما إن وصلت الى هذه المرحلة وقرأت موجز الساعة الواحدة ليلا حتى آستدعاني المدير العام الأستاذ عبد اللطيف الكمالي رحمه الله وكان عائدا للتو من زيارة لدمشق..وقد أبلغ مدير الإذاعة بأنه سمع وهو هناك صوت مذيع جديد آخر الليل  يقرأ الموجز ولم يكن قد مر عليه من قبل.. حضرت بصحبة مدير الإذاعة ودخلنا على المدير العام الذي كان يحسب له حساب في اللغة العربية وسبق له أن كان مذيعا قديرا عام ١٩٤١ .. فرحب بنا ودعاني للجلوس وآنتقل من مكانه ليجلس الى جانبي وأعطاني نسخة من جريدة العرب وطلب أن أقرأ على الفور مقالها الآفتتاحي الذي كتبه رئيس تحريرها الصحفي الكبير شاكر علي التكريتي وكان في الوقت نفسه يكتب التعليق الرسمي اليومي لإذاعة بغداد .. تناول المقال زيارة وفد عربي عالي المستوى للعراق .. قرأت المقال دون تردد ووصلت الى خاتمته التي تقول : ...( فعلى الرحب والسعة ) ولفظتها بكسر السين.. فربت على كتفي وقال : عد الى قسمك وآستمر بعملك وتذكر ياغازي أن الصواب هو لفظها بفتح السين 

لقد كان قبول المذيع وتدريبه وتأهيله مهمة آستثنائية يشارك في النهوض بها إضافة الى رئاسة قسم المذيعين المذيع نفسه ويرعاها كل المسؤولين الاذاعيين بروح من الحرص والبناء القويم.. فأين نحن من أؤلائك الأفذاذ الذين جعلوا من الإذاعة منهلا ثقافيا في اللغة والتربية والآجتماع ومعينا مهنيا للفنون والآداب والتاريخ بفضل ماكانوا يصطفون من أعمدة الثقافة والعلم في العراق والوطن العربي ليقدموا للمستمع ينابع تجاربهم وتجارب الشعوب الأخرى في العالم فكانت الكلمة المذاعة قاسما مشتركا مؤلفا غير مشتت ، وجامعا غير مفرق لا يعتوره زلل ولا ينأى به شطط أو جنوح غير محسوب مثلما جسدت كذلك رسالة قيم وشواهد مثلى لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

 ***************

ولي على هذه الصفحة الكريمة ،لقاء آخر معكم بإذن الله

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي