السياسة الخارجية العراقية وقضايا الحرب والسلام والتنمية ١٩٥٨-٢٠٠٣
السياسة الخارجية
العراقية
وقضايا الحرب والسلام
والتنمية
١٩٥٨-٢٠٠٣
قريبا في
المكتبات والمعارض العربية للكتاب بحجم ٤٧٠ صفحة
المحتويات
المقدمة
الفصل
الأول
السياسة
الخارجية العراقية: الأزمات الداخلية والاقليمية
1.المملكة العراقية وعلاقات التحالف مع
الدول الرأسمالية
استقلال العراق
عام 1932م
العراق
ودبلوماسية الانحياز خلال الحرب الباردة
انضمام العراق
لمعاهدة الدفاع المُشترك عام 1950م
انضمام العراق
لمعاهدة حلف بغداد عام 1955م
2.الجمهورية العراقية وسياسة عدم
الانحياز
توتر العلاقات
العراقية البريطانية
تطور العلاقات
العراقية السوفيتية
تأزم العلاقات
الدبلوماسية العراقية الأمريكية
تأسيس منظمة
الدول المصدرة للنفط OPEC
عودة العلاقات
الدبلوماسية العراقية الفرنسية
الخلافات
والازمات في العلاقات العراقية العربية
السياسة
الخارجية العراقية والموقف من حركة عدم الانحياز
النزاع العراقي
الكويتي والتوتر على الحدود عام 1961م
النزاع على شط
العرب وتوتر العلاقات العراقية الايرانية
3.
الجمهورية
العراقية واستراتيجية العمل العربي المُشترك
مواجهة التحديات
الداخلية والانفتاح على العالم
الاتفاق الثلاثي
للوحدة في 17 نيسان 1963م
انقلاب 18 تشرين
الثاني وتأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي
العراق وتبني
سياسة عدم الانحياز في العلاقات الدولية
قطع العلاقات
الدبلوماسية العراقية الامريكية
ازدهار العلاقات
الدبلوماسية العراقية الفرنسية
الفصل
الثاني
السياسة
الخارجية العراقية: مبادئ وأفكار عدم الانحياز
1. المبادئ الوطنية والقومية للسياسة
الخارجية العراقية
التعديلات
الجوهرية على السياسة الخارجية العراقية
السياسة
الخارجية العراقية للتعاون والشراكة مع البلدان العربية
السياسة
الخارجية العراقية للتعاون والشراكة مع البلدان النامية
2.السياسة الخارجية العراقية والموقف من
القوى العظمى
تحرير الثروة
الوطنية لضمان الاستقلال والسيادة
السياسة
الخارجية العراقية ونظرية الأقطاب المتعددة
3. السياسة الخارجية العراقية ومضمون
فلسفة عدم الانحياز
استراتيجية
التوازن بين القوى والاحلاف الدولية
ميثاق الإعلان
القومي والأمن الإقليمي
4. السياسة الخارجية العراقية ومواجهة
انعدام العدالة في العلاقات الدولية
استراتيجية
تحرير الثروة النفطية العراقية
تأميم عمليات
شركة نفط العراق البريطانية
5.السياسة الخارجية العراقية وقضايا
الطاقة في العلاقات الدولية
الاستقلال
الاقتصادي لضمان التوازن في العلاقات الدولية
النظام الدولي
النفطي الجديد
6. السياسة الخارجية العراقية والحوار بين
الدول الصناعية والنامية
نظرية التوازن
بين أسعار النفط وأسعار المواد الأولية
صندوق عالمي
لتعويض الدول النامية
7.
السياسة
الخارجية العراقية والحوار بين الدول النامية
حركة عدم
الانحياز وتحديات العلاقات الدولية للعالم الثالث
المقترحات
والأفكار العراقية للتعاون والتنمية الاقتصادية والعدالة
الفصل
الثالث
السياسة
الخارجية العراقية: معطيات جيوسياسية في الشرق الاوسط
1.العراق وحرب أكتوبر لعبور قناة السويس
عام 1973م
مشاركة القوات
البرية والجوية العراقية في حرب أكتوبر 1973م
الصدمة النفطية
الأولى أكتوبر 1973م
قرار 339 لوقف
الحرب وانعقاد القمة العربية في الجزائر
مؤتمر جنيف
الدولي للسلام في الشرق الأوسط 1973م
2. البحث عن السلام والأمن في الشرق
الأوسط
مبادرة الرئيس
جيمي كارتر للسلام في الشرق الأوسط
مبادرة السلام
في الشرق الأوسط وانقسام العالم العربي
3.اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر
وإسرائيل
مؤتمر القمة
العربية التاسع في بغداد 1978م
نظرية جيمي
كارتر للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط
مؤتمر القمة
العربية غير العادي في فاس 1982م
4. البرنامج النووي العراقي واستراتيجية
التوازن في الشرق الأوسط
تطور علاقات
التعاون النووي العراقي الفرنسي
تصديق العراق
على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية
الهجوم
الإسرائيلي لتدمير المفاعل النووي العراقي
الفصل
الرابع
السياسة
الخارجية العراقية: معطيات جيوسياسية في الخليج العربي
1.الأهمية الاستراتيجية للتوازن
والاستقرار في الخليج العربي
الاستراتيجية
الامريكية للأمن في الخليج
الاستراتيجية
السوفيتية للأمن في الخليج
الاستراتيجية
الأمريكية في تسليح إيران
اتفاقية الجزائر
وإجراءات بناء التعاون بين العراق وايران
الاستراتيجية
الامريكية للتدخل السريع في الخليج
2. اندلاع الحرب العراقية الإيرانية 1980م
مسارات الحرب
الدموية العراقية الإيرانية
ردود الفعل
الإقليمية الدولية على الحرب العراقية الايرانية
3. إجراءات بناء السلام بعد القبول
بالقرار الدولي المرقم 598
الفصل
الخامس
العلاقات
العراقية السوفيتية: تحالف استراتيجي وتقاطع ايديولوجي
1.تطور العلاقات السياسية والاقتصادية
والاستراتيجية
2.البرود والتوتر في العلاقات
الدبلوماسية العراقية السوفيتية
3.الاتحاد السوفيتي والموقف من حرب
الخليج 1980-1988م
الفصل
السادس
العلاقات
العراقية الفرنسية: استراتيجية للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي
1. علاقات التعاون الاقتصادي والتكنولوجي
علاقات التعاون
النفطي الفرنسية العراقية
علاقات التعاون
الصناعي والتكنولوجي الفرنسية العراقية
2. علاقات التعاون العسكري والاستراتيجي
3. الموقف الفرنسي من حرب الخليج
1980-1988م
4.التعاون العراقي الفرنسي لتعميق الحوار
العربي الأوربي
الفصل
السابع
العلاقات
العراقية الامريكية: التعاون الاقتصادي وتطبيع العلاقات الدبلوماسية
1.الموقف الأمريكي غير المتوازن من
الصراع العربي الإسرائيلي
2.العلاقات الاقتصادية بين الولايات
المتحدة الامريكية والعراق
3.موقف الولايات المتحدة الامريكية من
حرب الخليج 1980-1988م
4.تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين
الولايات المتحدة الامريكية والعراق
الفصل
الثامن
احتلال
العراق للكويت واندلاع عاصفة الصحراء 1990-1991م
1.استراتيجية الحرب ودبلوماسية القوة
2.استخدام الاسلحة المحرمة دولياً
والتلوث البيئي
3.النتائج الكارثية للحرب على العراق
الأمن، البيئة،
التنمية
تدمير قدرة
الانتاج الاقتصادي العراقية
4.تصور السياسة الأمريكية للتوازن في
الشرق الأوسط
5.
الخاتمة
والاستنتاجات: استراتيجية الفوضى والتفكيك
احتلال
العراق واستراتيجية الفوضى والتفكيك
استراتيجية
تفكيك العراق
المقدمة
يرتبط العراق في
العصر الحديث، بالتاريخ الحضاري لبلاد ما بين النهرين، موطن التناقضات الاجتماعية
والتنوع الديني والثقافي والقومي ومهد الحضارة الإنسانية. وانتشرت من العراق
الحضاري، الشرارات الأولى للثقافة والعلوم والفلسفة والحقوق نحو الشرق والغرب،
للمشاركة ومنذ أقدم العصور في تطور الحضارة الإنسانية. وتبدو الحضارات القديمة
لبلاد ما بين النهرين، كمتحف للتطور التاريخي للبشرية، والتي تؤسس لقاعدة واسعة
للتطور والتنمية البشرية في عالمنا المعاصر. ويتميز العراق بوصفه من أقدم البلدان
التي قدمت للبشرية الكتابة، ويأتي على رأس القائمة في أرشفة الحضارات القديمة
لعصور ما قبل التاريخ.
ثم وبظهور
الإسلام، تأسست الدولة العباسية، حيث ازدهرت العلوم والفنون والآداب في بغداد
عاصمة الخلافة الإسلامية، وفي 20 شباط 1258م تعرض العراق للغزو بعد اجتياح جيوش
القائد هولاكو الابن الأصغر لجينكيزخان، ليستمر التخلف والبؤس وعصور الظلام.
وبظهور الامبراطورية العثمانية، خضع العراق للاحتلال العثماني في القرن السادس عشر
حتى الحرب العالمية الاولى. وبسبب الاستياء من سياسات الهيمنة العثمانية، وانتشار
التخلف والفقر والبؤس، أعلن الشريف حسين الثورة على الدولة العثمانية في 10 حزيران
1916م، حيث استطاعت القوات العربية الثائرة أن تستولي في أقل من ثلاثة أشهر على
جميع مدن الحجاز الكبرى، ولم يلبث أن بويع الشريف حسين ملكًا على العرب. لكن
التحالف الأوربي لم يوفي بتعهداته للعرب، واقامت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا باحتلال
المناطق العربية التي أتفق على تحريرها من العثمانيين، وتعمقت الخلافات بين
القيادات العربية والحكومة البريطانية، خصوصاً بعد إطلاق بريطانيا لوعد بلفور في
تشرين الأول 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ففي أعقاب الحرب
العالمية الأولى، تم تقسيم البلدان العربية التي كانت خاضعة للإمبراطورية
العثمانية بين فرنسا وبريطانيا، وما تبقى أصبح يعرف باسم تركيا المعاصرة. الولايات
العثمانية السابقة في بغداد، الموصل، والبصرة، أصبحت تحت الانتداب، تابعة لعصبة
الأمم، فيما عرف بالانتداب البريطاني على العراق. كان ينظر لفكرة الانتداب بالكثير
من الشك من قبل الكثير من شعوب المنطقة باعتبارها محاولة استعمارية مكشوفة، وفي
الواقع لم يستمر الانتداب، بعد اندلاع ثورة عارمة عام 1920م، والتي تقرر بعدها
اعلان تأسيس مملكة العراق الهاشمية، في 23 آب 1921م، حيث تُوج الأمير فيصل بن
الحسين ملكاً للعراق. لقد شهدت أراضي المملكة العراقية فترة اضطرابات سياسية.
فالوطنيون الذين اعتقدوا أن طرد العثمانيين من شأنه أن يؤدي إلى استقلال كبير،
أصيبوا بخيبة أمل من نظام الحكومة الذي تقرر انشائها من أجل الانتداب البريطاني
على العراق. كما عملت المعاهدة الإنجليزية العراقية الموقعة في 22 تشرين الأول
1922م، التي أُبرمت للسماح بقيام حكومة ذاتية محلية، بينما تتولى فيه الادارة
البريطانية، الشؤون السياسية الخارجية والعسكرية، بجانب السيطرة القوية على الشؤون
الاقتصادية والسياسية. (1)
لقد تطورت
العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور الحرب الباردة بي الشرق
والغرب، مما شجع الشعوب الاسيوية والافريقية لعقد مؤتمر باندونغ Bandoung عام 1955م للبحث عن دور دولي للبلدان
النامية نحو الاستقلال من الاستعمار التقليدي والحديث، واتباع سياسة تضمن الحياد
بين الكتلتين الشرقية والغربية وبما يضمن تحقيق التوازن في العلاقات الدولية ومنع
الحروب المدمرة وضمان مصالح الشعوب النامية في تحقيق التنمية والامن والاستقرار
والديمقراطية. ومنذ بداية قيام حركة عدم الانحياز وانعقاد مؤتمر بلغراد الاول عام
1959م، بذلت دول حركة عدم الانحياز جهودًا جبارة بلا هوادة لضمان حق الشعوب
الواقعة تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية، في ممارسة حقها الثابت في تقرير المصير
والاستقلال.
وإبّان عقدي
السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا
أساسيًا في الكفاح من أجل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، يسمح لجميع شعوب العالم
بالاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويقدم برنامجًا واسعًا من أجل إجراء
تغيير أساسي في العلاقات الاقتصادية الدولية، والتحرر الاقتصادي لدول الجنوب.
وأثناء السنوات
التي تناهز الخمسين من عمر حركة دول عدم الانحياز، استطاعت الحركة أن تضم عددًا
متزايدًا من الدول وحركات التحرير التي قبلت- على الرغم من تنوعها الأيديولوجي،
والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي- المبادئ التي قامت عليها الحركة
وأهدافها الأساسية، وأبدْت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والأهداف. ومن
استقراء التاريخ، نجد أن دول حركة عدم الانحياز قد برهنت على قدرتها على التغلب
على خلافاتها، وأوجدت أساسًا مشتركًا للعمل، يفضي بها إلى التعاون المتبادل وتعضيد
قيمها المشتركة.
تبنت السياسية
الخارجية للعراق، منذ عام 1968م، منهجاً خاصاً في اتباع المبادئ والاهداف
الاستراتيجية لحركة عدم الانحياز التي تنطوي على مقاربة مركبة وصعبة في مواجهة
مشاكلات التنمية والتحديات الأمنية والاستقلال الوطني، بجانب مواجهة قضية الأمن في
الشرق الاوسط والخليج العربي. وأمام مجموعة المعادلات السياسية والاقتصادية
الإقليمية والدولية، لم يكن أمام السياسة الخارجية العراقية، أي خيار سياسي آخر
سوى محاولة تطبيق أفكار ومبادئ حركة عدم الانحياز، من اجل تحقيق هدفين:
الأول، تحرير ثرواته الوطنية وفي المقدمة
منها النفط والغاز والكبريت، وتنمية الموارد المادية والبشرية، للخروج من فضاء
العالم الثالث والبلدان النامية، نحو فضاء البلدان الصناعية والزراعية المتطورة
والتكيف مع العلوم والتكنولوجيا.
الثاني، ضمان التوازن والاستقرار في علاقاته
الخارجية الاقتصادية والسياسية والأمنية بين الكتلة الشرقية التي يقودها الاتحاد
السوفيتي في إطار النظام الاشتراكي العالمي، والكتلة الغربية بقيادة الولايات
المتحدة الامريكية في إطار النظام الرأسمالي للعلاقات الاقتصادية الدولية، والعمل
بصورة جماعية، لضمان الاكتفاء الذاتي الجماعي والتعايش السلمي في العالم الثالث.
واستناداً، على
التصورات السياسية لمبادئ حركة عدم الانحياز، يؤكد العراق على التعاون الوثيق بين
دول عدم الانحياز في هذا السياق، وفقاً للاعتقاد السائد: أن الصداقة بين الدول لا
تبنى على الاهتمام بالمصالح الآنية التي تمليها الظروف المؤقتة، ولكن يجب أن تبنى
العلاقات بين الدول على الحوار أو التفاعل بين المصالح والاستراتيجيات. لذلك، يجب
أن تكون علاقة مستمرة، تتطور باضطراد، لأنها تقوم على الإنصاف والعدل وعدم التدخل
في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. كما أكدت السياسة الخارجية على رغبة العراق
واهتمامه بالحفاظ على علاقات وثيقة مع جميع دول العالم، بغض النظر عن طبيعة
أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واقعياً، بذل
العراق جهوداً استثنائية منذ عام 1968م، لتوثيق علاقاته الخارجية الأقلية والدولية
مع تبني سياسة للتعاون والتضامن مع دول العالم الثالث ومختلف الدول الخاضعة
للاستعمار والهيمنة والتي تعاني من الفقر والجوع والتخلف. وعلى التوازي اتجهت
السياسة الخارجية للعراق، لمناهضة مختلف اشكال السياسات الامبريالية للهيمنة
الاقتصادية والسياسية على بلدان الجنوب في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما
يمكننا أن نستخلص ثلاثة مواقف واتجاهات أساسية في السياسة الخارجية للعراق، في
إطار تطبيق واستيعاب مبادئ وأفكار حركة عدم الانحياز، منذ اشتراكه بفعالية في
أعمال مؤتمر باندونغBandoung التأسيسي
والمؤتمرات اللاحقة، ووفق الآتي:
الاتجاه الأول، تبني السياسة الخارجية للنظام الملكي
موقفاً معارضاً لمبادئ وافكار حركة عدم الانحياز، بسبب ايمانه باستراتيجية
التحالف، سياسيا واقتصاديا وعسكريا مع الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا
العظمى ودول أوربا الغربية ومنظمة حلف بغداد، التي كانت في مواجهة استراتيجية مع
امبراطورية الشر السوفيتية وتوسع النفوذ الشيوعي في العالم. لذا انتقد العراق بشدة
نتائج مؤتمر باندونغBandoung ومبادئ
عدم الانحياز، والاعلان عن موافقة العراق دون تحفظ على الالتزام بسياسات التحالف
واستضافة القواعد العسكرية الاجنبية.
الاتجاه الثاني، تجسد في السياسة الخارجية للجمهورية
العراقية، بعد 14 تموز 1958م، فعلى الرغم من الإعلان عن التزام العراق بمبادئ
باندونغBandoung ، لكن من الناحية
الواقعية انحازت السياسة الخارجية لتعميق العلاقات مع الاتحاد السوفيتي ودول
أوروبا الشرقية الاشتراكية، ضمن إطار مجموعة الكوميكون الاقتصادية، بسبب الضغوط
السياسية للحزب الشيوعي العراقي على القيادة العراقية، وبسبب معارضة الشيوعيون
للأفكار الأساسية لحركة عدم الانحياز. لذا يمكننا النظر في دور العراق، في مواجهة
حركة عدم الانحياز، ورموزها السياسية المتمثلة بالرئيس المصري جمال عبد الناصر
والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو.
كما تضمن
الاتجاه الثالث، للسياسة الخارجية العراقية، والذي امتد من 17 تموز 1968م وحتى
2003م، مقاربة مركبة حول مشاكل التنمية والاستقلال من ناحية، والسلام والأمن في
الشرق الأوسط والخليج العربي. لذا يبدو، من المهم دراسة السياسة الخارجية للعراق
التي حاولت احتلال موقعاً حيوياً في الساحة السياسية الدولية، عبر توظيف أفكار
ومبادئ حركة عدم الانحياز وبما يضمن التوازن بين الشرق والغرب، ويوفر بيئة إقليمية
ودولية لحماية المصالح الوطنية والقومية للعراق.
بناء على ما
تقدم، سنركز من خلال البحث الذي نضعه بين أيدي القراء، لفهم إشكالية العلاقة بين
المبادئ والأفكار الكبرى لحركة عدم الانحياز، وطبيعة الايديولوجية التي تضع
التصورات السياسية والمواقف الرسمية والشعبية للعراق في العلاقات الدولية. أي
محاولة لفهم الجوانب المختلفة والدوافع السياسية التي حددت المنظور الشامل
للدبلوماسية العراقية للتعامل مع التحديات الأمنية الإقليمية والدولية. وسوف يركز
البحث حول مسألة الأسس الحقيقية للخيار الايديولوجي وتطبيقاته في مجال العلاقات
الاقتصادية والسياسية الدولية وكيفية التعامل مع التحديات الكبرى للأمن الدولي.
لماذا وكيف،
خلال ربع قرن، أصبح العراق رسول لحركة وأفكار عدم الانحياز؟ وهل نستطيع عبر البحث
في التاريخ السياسي المعاصر للعراق، محاولة اكتشاف أسباب أخرى غير الاسباب
الإيديولوجية الخالصة؟ بعبارة أخرى: ان السياسة الخارجية العراقية كانت تُمثل
انعكاساً للتكيّف المستمر أو التدريجي بين الايدولوجية، التي قد لا تستوعب
مُتغيرات الاحداث السياسية والاقتصادية الدولية، وبين قدرة مؤسسات الدولة في
التكيّف مع مُتغيرات الاحداث الدولية بعيدا عن الجمود السياسي والعقائدي الذي
تفرضه الأيديولوجية على الدبلوماسية العراقية.
ولغرض مواكبة
الكتاب للأحداث والتحولات التاريخية التي عصفت بالعراق والشرق الأوسط والعلاقات
الدولية، والتي انعكست على اتجاهات السياسة الخارجية للعراق، تناولنا عرض وتحليل
طبيعة المُتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تحكمت بالسياسة العراقية منذ
تأسيس المملكة العراقية عام 1922م ولغاية عام 2003م، وتتبعنا انعكاسات السياسة
الخارجية للعراق على قضايا الحرب والسلام والتنمية في الشرق الأوسط، وطبيعة
المواقف السياسية العراقية خلال اندلاع الازمات والحروب كما في آفاق التعاون
الدبلوماسي واستتباب الأمن والسلام. لقد اعتمد الكتاب الذي نضعه بين ايدي القراء
في البلدان العربية على مجموعة المعطيات والمصادر التي شكلت قاعدة المعلومات في
الفصلين الأول والثاني من رسالتي للدكتوراه في العلوم السياسية، الموسومة: عدم
الانحياز العراقي، بحث خلال 15 عام في السياسة الخارجية العراقية 1968-1983م،
والتي قُدمت للمناقشة في جامعة باريس (السوربون) في 23 مايس 1985م، وبإشراف أ. د.
جان بيير فيريّة
Jean-Pierre Ferrier الذي
أكن له احتراماً وتقديراً كبيراً.
ولتحقيق الأهداف
العلمية من دراسة وتحليل الموضوعات والاحداث والمُتغيرات المؤثرة في السياسة
الخارجية العراقية، قسم الكتاب الى سبعة فصول، تستهدف الإجابة على مجمل التساؤلات
المطروحة، عبر مستويات نظرية وتطبيقية ميدانية مختلفة، من خلال تناول عرض وتحليل
برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بجانب استعراض طبيعة واتجاهات
السياسة الخارجية للعراق، تجاه مشكلات وازمات الشرق الأوسط والخليج العربي،
ومتابعة تطور العلاقات العراقية الاوربية والسوفيتية ثم أخيراً محاولة فهم
التحديات التي واجهت تطور العلاقات العراقية الامريكية التي تنامت خلال الحرب
العراقية الإيرانية ثم انتهت للقطيعة والمواجهة العسكرية بعد احتلال العراق للكويت
في 2 آب 1990م، الذي يُعد انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مما دفع
مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على الشعب العراقي، وتشكيل لجان
تفتيش للرقابة على صناعة الأسلحة وتفكيك منظومات التسلح، والتي انتهت باحتلال
العراق غير المشروع عام 2003م، وتدمير اقتصاده وتفكيك بنية النظام السياسي
والاجتماعي.
Reacties
Een reactie posten