حلف التخادم الإيراني الصهيوني لا بد أن يصل إلى التصادم بقلم الدكتور نزار السامرائي



حلف التخادم الإيراني الصهيوني لا بد أن يصل إلى التصادم

نزار السامرائي

المعركة بين الفرس الأخمينيين من جهة والعراقيين من جهة أخرى في بابل والتي نشبت في منطقة أوبيس في أيلول/ سبتمبر عام 539 قبل الميلاد، قادها من جانب الفرس كورش الأكبر ضد الإمبراطورية البابلية التي ما كان لها أن تسقط لو أن قادتها السياسيين والعسكريين كانوا من أبنائها المخلصين لها الحريصين على تطورها، إذ قاد جيوش بابل قائد من أصل ميدي فارسي هو جوبارو (وهذه الواقعة تؤكد أن خيانة القادة السياسيين والعسكريين من ذوي الأصول غير العراقية كما هو حاصل اليوم في عراق ما بعد احتلال 2003 هو الذي أدى ويؤدي إلى خسارة العراق لفرصه وتدمير بنية الدولة فيه بهدف ربطه ببلاد فارس الطامعة بأرضه وثرواته)، وقد بدأت الخيانة تنخر في قصر نبوخذ نصر منذ وصول نابونيدس إلى موقع التأثير في القار السياسي نتيجة تقريب نبوخذ نصر له، فبدأ الضعف يظهر على أداء الدولة حتى استكملت الخطوات بوصول جوبارو إلى قيادة جيش بابل فتواطأ مع كورش في معركة أوبيس على تسليم العاصمة للفرس.
ثم أحرق كورش وجيشه الفارسي مدينة بابل بعد إسقاط الإمبراطورية البابلية حينذاك، وما أعقب تلك المعركة من (تحرير) ليهود السبي البابلي الذي جاء به نبوخذ نصّر ملك بابل العظيم إلى بابل عام 597 قبل الميلاد، وذلك وفاء من كورش لزوجته اليهودية على ما تذكر الروايات التاريخية، سيبقى هذا الحديث لازمة موسيقية يتفكّه بها أحفاد كورش المعممون حيثما أرادوا عرض بضاعتهم من (أفعال الخير) التي قاموا بها لليهود عبر التاريخ من أجل الحصول على رضا إسرائيل والولايات المتحدة على نحو لا يجب لليهود نسيانها مهما طال الزمن، كما يلمح الفرس إلى أدوار تاريخية لهم كانت سببا في بقاء أوربا على مسيحيتها وذلك بوقف الفتوحات العثمانية نهائيا في القرن السادس عشر الميلادي.
وبقدر ما تشكل هذه اللحظة التاريخية الموغلة في القدم والتي توجب رد الجميل من جانب إسرائيل لفارس، فإنها في واقع الحال تعدّ سببا للتصادم بين المشروعين الفارسي الطامح بابتلاع العراق وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط، والحلم الصهيوني الأبدي بإقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات والثأر من بابل لتاريخها الممتد في إفشال حلم اليهود في السيطرة على المنطقة وإقامة دولتهم الكبرى، فهنا تتلاشى كل أوهام التاريخ القديم أمام صراعات الجغرافيا السياسية والاستراتيجية الراهنة، وعند هذه النقطة ومهما حصل الالتقاء في المصالح بين إيران اليوم وإسرائيل، تتجسد كل التناقضات أو التحالفات السياسية، فالعراق هو نقطة التقاء أو تصادم المشروعين الفارسي والصهيوني في نفس الوقت، والذي لا يمكن أن تخفف من اندفاعة أي منهما عقود زواج المتعة بينهما حتى وإن كانت لزمن طويل، فلا أحد منهما يقبل للآخر أن يستحوذ على أرض يرى أنها حقه التاريخي أو الديني أو الثأري من أرض كانت سببا في كل ما تعرضت له فارس ومملكة يهوذا من نهايات مأساوية على أيدي العراقيين، تارة على يد نبوخذ نصّر وتارة على يد صلاح الدين الأيوبي وثالثة على يد صدام حسين، أما دروس التاريخ المعاصر فإن العراق وبصرف النظر عن توجهات الحكم فيه، كان سباقا في إرسال جيشه للمشاركة في معارك العرب ضد إسرائيل كما حصل في الأعوام 1948 و1967 و1973 والعراق هو الوحيد الذي لم يوقع على اتفاقيات الهدنة، فهل تنسى إسرائيل تلك الدروس يضاف لها أن العقيدة اليهودية ترى في بابل حقا خالصا لدولة إسرائيل الكبرى التي يجب أن تمتد من النيل إلى الفرات، وبابل كما هو معروف تقع على الفرات، ومن يرجع إلى الموروث الديني والثقافي لن يتأخر في التعرف على كثير من المفردات التي تذكر بابل بما في ذلك الأغاني التي تم تأليفها ونشرها على نطاق واسع في الولايات المتحدة وأوربا.
أما بلاد فارس فتختزن في ذاكرتها دروس الحروب التي خاضتها القبائل العربية ضدها فكان أول نصر عربي على فارس هو معركة ذي قار، وعندما قامت دولة العرب الإسلامية بعد البعثة النبوية الشريفة فإن درس القادسية الأولى التي خاضها العرب المسلمون فقوضوا أركان عرش كسرى وإيوانه في المدائن درس غير قابل للنسيان، وستبقى هزيمة الفرس وانهيار امبراطوريتهم الساسانية هي العامل المفّعل لكل أحقاد التاريخ، متناسين أنهم هم الذين احتلوا أرضا عربية عراقية وأقاموا فيها عاصمة ملكهم إمعانا في إذلال العراقيين.
ولم تتوقف حركة التاريخ عند هذا الحدث المفصلي، فقد جاءت القادسية الثانية لتؤجج كل أحقاد فارس على العراقيين والعرب، وإذا نسي الفرس كل دروس الماضي فإنهم لن يتمكنوا من نسيان تجرّع خميني كأس السم في نهاية قادسية صدام المجيدة، ولهذا فإن الفرس يسعون بكل طاقتهم (لتصدير ثورتهم) عبر العراق، وهنا لا بد أن يصطدم المشروعان من دون قدرة على عقد تسويات بينهما أو الوصول إلى حلول وسط، فالعرس بين استراتيجيتين متصادمتين على المدى البعيد في المنطقة لن يدوم طويلا مهما بدت بينهما من أسباب التقاء المصالح المؤقت في المنطقة، لأنهما طرفان يسعيان إلى الإجهاز على أي مشروع عربي قومي أو وطني يهدف إلى النهوض بالواقع الراهن إلى ما يؤمّن التحاق الأمة بالركب الإنساني في ميادين التقدم العلمي والتكنولوجي وإعادة مجد العرب إلى ألقه الذي عاشته حواضر العرب مستفيدة مما تزخر به من ثروات متنوعة وهائلة وعقول مبدعة، إذا ما توفرت لها اللحظة التاريخية.
فإذا كانت مصلحة الفرس والصهاينة تتلخص في وضع الفرامل في طريق النهوض العربي القومي كلا من مصلحة خاصة به، فإن قراءة دقيقة للواقع تطرح حقائق أخرى وهي أن الصدام واقع بينهما لا محالة، قد لا يكون ذلك في الأفق المنظور ولكن ذلك حتمية تاريخية، ومن أسباب هذا الصدام:
1 – أن الأمة العربية لا يمكن أن تبقى في حالة سبات أبدي أو أن تُبقي مقودها أو مقاديرها بيد أعدائها أو بأيدي حكامها الفاسدين الذين لا هم لهم إلا الخضوع للإملاءات، الخارجية طال الزمن أو قصر.
2 – أن المشروعين أصلا هما متنافسان للسيطرة على المنطقة وإزاحة أحدهما للآخر بكل الوسائل المتاحة، وهنا سيتلاشى التكتيكي لصالح الهدف الاستراتيجي الأعلى، وحينها سيقع الصراع بينهما مهما طالت فرحة زواج المتعة.
ولكن هل للعراق أية مصلحة في أن يكون ساحة صراع لأي طرف خارجي؟ ولماذا يختار الخصوم وهم أعداء العراق في الوقت نفسه بلدا آخر لخوض صراعاتهم وحروبهم فوق أرضه؟
من المعروف أن الاستراتيجية الإسرائيلية بنيت منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948 على الحروب الاستباقية وابعاد نارها عن حدوده السياسية لأن أي عمليات داخل كيان الدولة الإسرائيلية ينسف نظرية الأمن التي وضعتها الزعامة الإسرائيلية، وإلا فإن خطر اهتزاز الشعور بالطمأنينة والأمن لدى المستوطن الإسرائيلي سيؤدي إلى إصابة الاقتصاد بنكسة كبرى ويعرض مجتمع المهاجرين إلى هجرة مضادة، وكذلك هو حال إيران الولي الفقيه التي اقتبست هذه الاستراتيجية من إسرائيل، فإيران ومنذ انتهاء الحرب مع العراق عام 1988 بهزيمتها المدوية، حرصت على ألا تخوض حربا مباشرة مع أي طرف إقليمي أو دولي، فراحت تشكل المنظمات والمليشيات والأحزاب الإرهابية في الوطن العربي لتخوض حروبها بالنيابة، وبصيغ مختلفة بحيث لا تقع المسؤولية القانونية والأخلاقية على إيران وإنما على تلك الحركات في حين أن إيران تحصد نتائجها السياسية.
لهذا فإن الوصول إلى الفرات كهدف إسرائيلي، والوصول إلى المتوسط كهدف إيراني، سيجد في العراق حلبة نموذجية لأي حرب مقبلة بين الطرفين وهي ليست بعيدة على كل حال.

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي