استخدام الدين في الحياة السياسية../ بقلم ا.د ابو لهيب
استخدام الدين في الحياة السياسية..
ا.د ابو لهيب
تهدف هذه المقالة إلى تحليل آلية استخدام الدين في توجيه الرأى العام، من حيث حساسيته فى المجتمعات العربية؛ ولما يثيره من قوة ردع أخلاقية كبرى تؤثر على سلوك المواطنين من ناحية، ونتيجة استخدامه من كافة ألاطراف في المجتمعات العربية سواء الحكومة السلطة الحاكمة أو القوى المجتمعية سواء كانت حركات اجتماعية أو أحزاب أو مؤسسات دينية أو جماعات التيار السياسي إلاسلامي كالاخوان المسلمين أو السلفيين أو غيرهم.
ينهض الدين بدور هام فى تكوين الرأى العام فى معظم دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، فى كافة المجالات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية. وبذلك يمكن القول بأن الدين أحد الدعامات الرئيسية في بناء الحضارة الانسانية، والنشاط الانساني ككل، من حيث استمراره، وتقدمه أو تراجعه الدين لا للإضطهاد كما حدث مع جاليليو فى عصر النهضة حين جرأ على القول بأن ألارض كروية. وقد يستخدم الدين لنشر روح المحبة والتسامح.
ومن الملاحظ أن العلاقة بين الدين والدولة تختلف من مجتمع الى آخر، ومن مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى لمكانة الدين فى حياة الناس، ووفق خصوصية كل مجتمع، ووفق رؤية الانظمة الحاكمة لمكانة أخرى؛ وفقا للدين، وتأثيره من ناحية، ومن ناحية أخرى، وفق رؤية وفهم القوى الاجتماعية ألاخرى،غيرالدولة، لمكانة الدين، ومدى الانسجام بين رؤية الدولة، والقوى الاجتماعية الاخري، والتوافق او الاختلاف فيما بين الرؤيتين. فضلاً عن مكانة الدين في السياسة العالمية، ورؤية القوى العالمية والاقليمية لمكانة الدين وتأثيره فى المجتمعات، وعلاقتها ببعضها البعض .
تهدف هذه المقالة إلى تحليل آلية استخدام الدين لتوجيه الرأى العام، من حيث حساسيته فى المجتمعات العربية لما يثيره من قوة ردع اخلاقية كبري تؤثر على سلوك المواطنين من ناحية، ونتيجة استخدامه من كافة الاطراف فى المجتمعات العربية سواء الحكومة السلطة الحاكمة( أو القوى المجتمعية سواء كانت حركات اجتماعية أو احزاب أو مؤسسات دينية ) أو جماعات التيار السياسي إلاسلامي كالاخوان المسلمين أو السلفيين أو غيرهم .
يمكن التمييز بين أربعة اتجاهات كبرى للعلاقة بين الدين والسياسة:
أولها، السمو المطلق للدين على السياسة، وبالتالي خضوع السياسة الكامل للدين، وتشكل مجموعة الافكار التي تسير في هذا الاتجاه نظريات دينية، أنها نتاج رؤية دينية وذات حساسية تجاه المفارق وتجاه سمو الروحي على الزمني، وأنها انطلقت غالبا من مصلحين دينيين كلوثر وكالفن، أو من رجال قانون كبودان، أو رجال الكنيسة مثل بوسيي، أو فلاسفة كدومستر.
وثانيها، أن المجال السياسي مستقل عن المجال الديني. فهو يرتبط بالعلل الثانوية وغير منظم من قبل هؤلاء، وأصبح خاضعا لقوانين الطبيعة التي يضعها الانسان بواسطة العقل، كما أصبحت فكرة القانون المنظم للمجال السياسي واضحا بدقة من نواحِ عِدة، فهو يتميز عن القانون الالهي من ناحية الاهداف، أنه يخلق واجبات ضمن المقياس الذي يظل متطابقا مع العقل والحق الطبيعي، وهو يتميز عنه من ناحية غايته، أن ألاهداف له سوى خدمة الخير العام فسن القانون يعود إلى الشعب بأكملها، فالقانون الظالم ليس قانونا، وإنما انحراف عن غاياته ، كما أنه انحراف عن معرفة الحقيقة التي يمكن أن تصل إلى إلانسان بواسطة العقل. إذا كانت النظريات الدينية هدفت ، رغم الاختلافات المسجلة داخلها إلى الحفاظ على سمو الدين على السياسة، فإن بعض المفكرين الاخرين أبدوا فكرة مضادة هدفت هذه المرة إلى إخضاع الدين للسياسة، عن طريق اعتبار الدين مجرد وسيلة يستعملها الحاكم لتحقيق أهدافه السياسية، فهي إذن نظريات ألذاتية معبر عنها من لدن فلاسفة ومفكرين سياسيين أعطوا أهمية مركزية للدولة لتزويدها بمختلف الوسائل لتقويتها بما فيها الدين نفسه.
وثالثهما، إخضاع الدين للسياسة، على الرغم من عدم إنكار أهمية الدين كعامل استقرار اجتماعي، فضل عن ملاحظة بعض المفكرين أنه قد يكون مصدراً للتفرقة والنزاعات ، وبالتالي سببا لضعف الدولة، ورأوا ضرورة إخضاعه لهذه الاخيرة لتجاوز الاخطار الناجمة عنه، واستخدامه لتقوية سلطتها والحفاظ عليها. فميكيافللي ومونتسيكو، رأوا أن ارتباط الدين بالسياسة، وجوب تطبيق الامير لواجباته الدينية والاخلاقية، وإنما للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها.
ورابعهما، الفصل التام بين الدين والسياسة وبالتالي استقلالية الدين عن الدولة، فالمجال العام، كحقل للتنافس المستمر والحر بين المصالح المنظمة للوصول إلى تفاهمات عملية واجتماعية، أي بالمفاوضات الذاتية وحسب موازين القوى، والمجال الخاص المستقل عن العام، توضع فيه كل الشؤون البعيدة عن السياسة وعن تنظيم الشأن العام، كالدين ومختلف القيم ألاخلاقية والفلسفية وغيرها من المبادئ الشخصية والعائلية. ومن أبرز ممثلو هذه النظرية: جون لوك وبنجمان كونستانت، والمينيس، ثم توكفل.
وقد نصح إحسان اوغلوالامين العام الاسبق لمنظمة التعاون السلمي، لواحدة من أكبر المنظمات السياسية الدينية في العالم ، بعدم إدخال الدين في السياسة، إذ ذكر معلقا على اتساع النزاعات بين الشيعة والسنة الاختلاف المذهبي واقع وحقيقة تاريخية في العالم الاسلامي منذ بدايته إلى يومنا هذا، وهذا واقع تعايشنا معه على مدى عدة قرون، ولم يكن طوال هذا التاريخ هذا الصراع المذهبي الذي يدعو إليه البعض". وحث أوغلوعلى التعايش وعدم إقحام السياسة في المذاهب.
ومن ثم، تسعى هذه المقالة إلى معالجة كيفية استخدام الدين الاسلامي في الحياة السياسية، خاصة في العالم العربي، من قبل كافة القوى المجتمعية الرسمية منها، وغير الرسمية. وتثير هذه المشكلة عدة تساؤلات، أبرزها: ما أسباب اختيار الدين كأداة لتوجيه الرأي العام؟، وكيف يستخدم الدين في الحض على طاعة الحاكم؟ وكيف يستخدم الدين في تبرير الثورة ضد الحاكم؟
ومن ثم، ترجع أهمية هذه المقالة إلى توضيح كيف يستخدم الدين إلاسلامي على أساس كونه الدين الرسمي للدول العربية على وجه الخصوص، في الحض على طاعة الحاكم من ناحية، ومن ناحية أخرى، في الدفع للثورة ضد الحاكم .
لايزال الدين لاعباً رئيسياً في تشكيل السلوك السياسي، فنموذج الدولة القومية لم ينجح في تخليص النشاط السياسي من الدوافع والمطالب والمؤثرات الدينية، فعلى سبيل المثال يرى البعض أن الدين الاسلامي يقدم نسقاً عقائدياً متكاملاً ، وأيديولوجية لبناء الدولة، والتعامل مع العالم الخارجي . مما يظهر مدى تأثير الدين على السلوك السياسي بوجه عام، وتوجيه الرأى العام بشكل خاص.
وقد تنبأ العديد من المحللين والباحثين بعودة الاديان مرة اخرى، خاصة فى القرن الحادى والعشرين، الذى وصفوه بأنه "قرن ديني بامتياز، نتيجة تلازم الدين بالوجود الانسانى، وما يصاحب ذلك من تطور ثقافى وحضاري.....، بمعنى أخر، أضحى للدين تأثير قوى ومحرك للشعوب، خاصة فى مناطق الصراعات كمنطقة الشرق الاوسط، والبلقان، وآسيا الوسطى .
مما سبق يتضح أن للدين أهمية فى كافة المجتمعات، وبدأ الحديث عن أن القرن الحادى والعشرين قرن ديني بامتياز، في ضوء ظاهرة الانبعاث الديني من جديد، واستخدام الدين من قبل كافة الاطراف، سواء الدولة السلطة الحاكمة أو القوى االجتماعية الاخرى . سواء في تبرير الطاعة للحاكم أو للدفع بالثورة ضده، وأن كافة الانظمة العربية تحرص على استخدام الدين الاسلامي- على أساس كونه الدين الرسمي للدولة- من أجل الحفاظ على بقاءها .
Reacties
Een reactie posten