الطوائف في الاسلام الحنيف / بقلم .. د- فالح حسن شمخي

 

الطوائف في الاسلام الحنيف

د- فالح حسن شمخي 

الحركات والأحزاب الطائفية ( بالقناع  الديني  ) ، التي ظهرت على الارض العربية ، لم تكن وليدة ما يمر به العرب  اليوم ، جراء محاولة الغرب الامبريالي  الاستيلاء على مقدر أت وثروات العرب  ومحاولة إلغاء هويتهم والتطاول على دينهم الحنيف ، الغرب الذي تجسد بامريكا دولة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي يقودها اليمين المتصهين.

  الحركات وألاحزاب  الطائفية كانت موجودة منذ النهضة العربية الحديثة ، لقد تميز هذا الوجود لكن بالتحجر إزاء الكثير من الأمور المهمة في حياة امتنا ، التحجر الذي قادهم الى ارتكاب ابشع الجرائم ، الاغتيالات ، التفجيرات والتبعية للاجنبي ،بحجة عبورهم للحدود الوطنية والقومية ، الامر الذي زاد جهلهم بالقوانين المحركة لواقع الأمة والعمل على إيجاد ما هو بديل لهذه القوانين بغية إيجاد نظرية عمل مرحلية وستراتيجية تؤمن للإنسان العربي المسلم مستقبل افضل مبني على تعاليم ديننا الحنيف.

 إن الرسالات السماوية الثلاثة كانت  تعبر عن الواقع الاجتماعي الذي نزلت فيه ، وكانت تتسم بالثورية والتقدمية فكرا وممارسة ، آي إنها خاضت صراع مرير مع القديم السائد بهدف تحقيق الجديد الافضل ، ولقد ثبتت القيم والمفاهيم الانسانية الاصيلة في حياة الامم والشعوب واجتثت ماهو ضار وبالي ، والرسالة الاسلامية كانت اعلى مراحل التطور التي شهدتها الرسالات السماوية ، لذلك كان الاسلام الحنيف اخر الرسالات وان النبي الكريم صلوات الله عليه كان خاتم الانبياء والمرسلين .

كان للاسلام الدور الكبير في نقل المجتمع العربي ، نقلة نوعية من الجاهلية التي اتسمت بالتناحر والتقاتل والتمزق والعبودية والتبعية للفرس والروم ، الى بناء دولة عربية اسلامية ، اموية وعباسية ، قوية ومزدهرة ، دولة كان من ابرز سماتها التطور الروحي والثقافي والاجتماعي  الاقتصادي .

فاين هو الاسلام  الطائفي من ذلك البناء ؟   ان الظاهرة المليشياوية التابعة للفرس والسلفية المتخلفة للاسف هي من تتعامل مع  واقعنا العربي والاسلامي  في العصر الحديث بفقه قائم على قطع الرقاب واستخدام العبوات الناسفة وكاتم الصوت ، فقه لم يفسر لنا (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة )، فقه لايعرف مامعنى (قل يا ايها الكافرون )، فقه لايعرف (اماطة الاذى عن الطريق صدقة ) ، طائفية مليشياوية وسلفية جهادية تتعامل مع واقعنا المعاصر من منطلق القرون الوسطى في اوربا ، طائفية ترفض التعامل مع عالمنا المعاصر الذي يتسم بالتقدم العلمي والتكنولوجي وخلق الثروة واستخدامها استخداما كاملا ، ان النظرة الطائفية  لاتقود الى طريق التحرر والتقدم والاقتدار في مواجهة التحديات الاستعمارية والشعوبية الفارسية والصهيونية وتحديات العصر الحديث ، بل على العكس من ذلك فهي تقود باتجاه الانكسار والهزيمة ، طائفية لاتعرف العودة الى دراسة التاريخ  واستلهام ماضي الامة المجيد والعمل بما هو صالح  ، بل هي عودة الى الماضي بهدف تمزيق نسيج الامة على اسس تعتمد التفسيرات المختلفة واصدار الفتاوي بالتكفير بموجبها ، ونقل كل ماهو بالي ومتخلف من عادات وتقاليد واجتهادات الى عالمنا المعاصر.

ان من ابرز سمات الاسلام الطائفي الذي عبرت عن نفسه في  الحركات والاحزاب الدينية ( اخوان ودعوة …الخ) ، من خلال التجربة في العراق  بعد الاحتلال الامريكي الايراني وفي مصر ايام مرسي  وسوريا النصرة والولي الفقيه  ولبنان الولي الفقيه واليمن الحوثي هي :

1ـ لم تقم على اساس توحيدي ، اي انها بدل من القيام بتوحيدالامة والقطر الواحد والمدينة الواحدة على اساس مبادئ الاسلام الحنيف المعروفة لكل عاقل ،بل عملت للاسف على نشر بذور الفرقة والشقاق حتى في البيت الواحد.

2ـ اعادت هذه الحركات والاحزاب ذكريات الصراعات المذهبية والسياسية في بعض العصور الاسلامية لاهداف سياسية خفية ، وبذلك اتصفت بانها طائفية بامتياز من خلال نشر ثقافة الناصبي والرافضي بدل من ثقافة الاسلام الواحد ، الاسلام الذي كان نور وهدايه الى البشرية جمعاء .. وهي في هذا التمزيق انما تكون اليد المنفذة للمشروع الصهيوني الذي لا يتحقق الا بتمزيق الوطن العربي والامة العربية الى فسيفساءات صغيرة ومتناحرة .

3ـ العداء المطلق لكل ماهو قومي عروبي ووطني ، فالحركات والاحزاب الطائفية وبمختلف اتجاهاتها ، توحدت في الوقوف بالضد من العرب والعروبة  وبهذا عبرت بشكل واضح وجلي عن  صفتها الشعوبية  ، ان موقفها المعادي هذا قادها من حيث تدري او لا تدري الى الارتماء بحضن الاجنبي الاقليمي والدولي الاستعماري.

ان الاسباب التي ادت الى ظهور الحركات الدينية الطائفية هي طبيعة العالم الرأسمالي الذي ابتعد عن الروح وافرازاته التي انعكست على واقعنا العربي ومادية التوجهات الماركسية التي انكرت كل ماهو روحي والتي مثلتها بعض الحركات والاحزاب الشيوعية والماركسية ، بالاضافة الى العوامل الاخرى التي عاشها ويعيشها الانسان العربي من فقر ومرض وجوع واضطهاد ، الامر الذي جعل الاسلام الطائفي يستغل توجه الانسان الى السماء في بحثه عن الخلاص ، والتطلع هذا واستنادا الى تلك الحركات ياتي عبر الاستحضار المنقول لحلول السلف السابق في صلته بالسماء ، فكان ان يلجاء الانسان الجائع المضطهد المهمش الى التوجه الى السلف باساليب وعادات رسمتها قيادات الحركات والاحزاب الطائفية  بهدف الخلاص ، والسؤال هل البكاء والعويل يوفر لنا الامن والامان اليوم في العراق على سبيل المثال  ؟  وهل ينقذ  بلدنا من الاحتراب والاقتتال  الذي شجعت وتشجع عليه القيادات الطائفية؟  ، ان التوجه بسلاحنا نحو المحتل الامريكي والفارسي والصهيوني وتابعيه هو طريق الخلاص ، وان العوده الى النبع الى الاسلام الحنيف واستلهام كل ماهو مشرق هو الخلاص ، والايمان بالنفس وقدراتها الخلاقة في ظل قيادة غير طائفية هو الخلاص ، وللخلاص طرق كثيرة غير التي نراها اليوم في العراق وغير العراق على يد امراء الطوائف .

ومن الاسباب الاخرى التي تؤدي الى ظهور الحركات الدينية بشكلها السياسي الطائفي المعروف هو ردود الافعال السطحية على النكسات الموقته التي تمر بها الامة العربية  ، والتي تؤدي الى انتاج مشاريع سياسية طائفية ، لسد الفراغ مؤقتا بسبب الاستهداف المنقطع النظير للقوى الحية في امتنا العربية ومنها العراق ، فعندما لاتكون هناك حركات سياسية ذات قوة جماهيرية وزعامة قوية تحشد طاقات الشعب تبرز الحركات الدينية الطائفية  في محاولة منها لسد الفراغ ، والتجربة في العراق تؤكد ذلك فقد برزت ظواهر التستر بالدين كغطاء لتحقيق طموحات شخصية بالاستيلاء على السلطة مستغلين الظرف الذي يمر به العراق.  ان الايمان بالدين يوفر للانسان طاقة روحية كبيرة تدفعه نحو النضال والتضحية ، غير ان العلة ليست بالدين بل هي في تصميم قيادات الحركات والاحزاب الدينية الطائفية  التي تسيطر اليوم على المشهد السياسي.

فالحركات والاحزاب الطائفية ، كانت ولازالت تقف مواقف مؤيدة للوجود الاستعماري الصهيوني ومصالحه في الوطن  العربي ومن تحت الطاولة كما يقال ، ولنقول ان مواقفها تصب في خدمة المخططات الاستعمارية والصهيونية، فالطبيعة الطائفية التي تمتاز بها تلك الاحزاب والحركات معروفة للمستعمر وبالتالي فهو يجيد العزف على اوتارها ، فما يدور في العراق واستغلال المحتل  الامريكي والايراني للحركات والاحزاب الدينية معروف ، فهل القتل المتبادل الذي يعتمد على اسسس طائفية يصب في خدمة المحتل او يصب في خدمة الوطن ؟ 

( لوقدر وان استمرت الحركات والاحزاب الطائفية في حكم العراق او في اي بلد عربي اخر فانها ستحتاج الى (10ـ20) سنة من أجل تدمير البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية القائمة في المجتمع ، واعادة بنائها وفق أسس دينية كما يفترض ذلك ، على افتراض أن هذه العملية ممكنة وستنتهي بالنجاح خسارة (10ـ20) سنة في سياق التطور السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الامة من جهة ، وبين الاستعمار والصهيونية من الجهة الاخرى وليس صعبا معرفة الجهة التي ستستفيد من ذلك ، غير ان الامر المؤكد هو ان عملية كهذه، على ماتتطلبه من فترة طويلة ، لايمكن ان تتكلل بالنجاح) ، والسبب في ذلك هو ولادة جيل عربي جديد عبر عن تطلعاته وموقفه من الطائفية بكل اشكالها ، ومن الوطن والمواطنة عبر ساحات التحرير على امتداد الوطن العربي .

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي