من هم الشبك؟؟ بقلم الدكتور طارق احمد

من هم الشبك ... ؟

د. طارق احمد

في غمرة الاحداث والصراعات الطائفية والاثنية التي تعصف بالعراق، تواترت في الايام الاخيرة ظهور طائفة الشبك على مسرح الاحداث في منطقة سهل نينوى، وانبثاق ميليشيا شيعية منها، سيطرت على مفاصل السهل وامتدت اذرعها للموصل بدعم مباشر من مؤسسة الحشد ومن الخيوط المحركة لها والمرتبطة بالحرس الثوري الايراني.

ويعيش الشبك في المنطقة الواقعة شمال شرقي الموصل الى حدود نهر الزاب الاعلى جنوباً، ويشترك معهم فيها المسيحيون ذوي الاصول العربية والسريانية واليزيدية والعرب والتركمان والكرد.

وهم لا يشكلون اغلبية في هذا الخليط الذي يعيش في المنطقة منذ مئات السنين بود وتآلف قائم على حسن الجوار، وكأنه بلقان مصغر.

ومن اكثر الذين درسوا هذه الطائفة بعمق وحيادية منذ ثلاثينيات القرن الماضي المرحوم احمد حامد الصراف، ثم نشر معلوماته عنهم في كتابه المعنون "الشبك"، الصادر عن دار المعارف في بغداد عام 1954م.

والسيد الصراف كان مدعياً عاماً آنذاك في لواء الموصل، فكان يجوب القرى والاقضية والنواحي لإجراء التحقيق والتفتيش، فيمر بمناطق الشبك، حيث لفت انتباهه انهم طوال القامة، لا يحلقون اللحى، ولا يحفون الشوارب، وقد تدلى الشعر على افواههم ويتكلمون بلسان غريب، هو خليط من الفارسية والعربية والكردية والتركية، ثم صارت عنده رغبة شديدة بمعرفة عقيدتهم، ولكنهم لم يطاوعوه ابداً، لأنهم منغلقون جداً على انفسهم، الى ان تعرف على شيخ اسمه ابراهيم كان من كبرائهم، ونتيجة احتياج الشيخ للسيد الصراف في بعض المعاملات الرسمية، فقد اباح له ببعض مكنونات ديانتهم فأستنتج منها السيد الصراف بأنهم شيعة غلاة – باطنية!.

أما مهنتهم الرئيسية فكانت الزراعة والرعي وتربية الدواجن وبيع بيضها في الموصل.

ثم اخذ الفضول السيد الصراف، فقام بدراسة حركات الغلو الصوفية في الاسلام لتشابه تصرفاتهم مع هذه الحركات، فصارت عنده قناعة تامة بأنهم اتباع الطريقة البكتاشية مع خلط ببعض التعاليم من الطريقة الصفوية التي سميت لاحقاً بالطريقة القزلباشيه، بعد ان انحرفت الطريقتان صوب الغلو ودخول الخرافات والأساطير عليهما شأن معظم الطرق الصوفية الغالية.

ويعتقد الصراف بأن اصولهم القومية غامضة، حيث تغلب الصبغة العقائدية – الدينية على تكوينهم الأثني، وليس للشبك لغة مكتوبة سواءاً بالأحرف العربية او اللاتينية.

ان بداية وجودهم بالمنطقة مجهول وليس مثل الطوائف الاخرى، حيث يناقش السيد الصراف احتمالات عديدة منها انهم بقايا عشائر القرة قوينلي التركمانية اي "الخروف الأسود"، والتي امتد نفوذها للمنطقة بين (1420 – 1435م)، أو الآق قوينلي التركمانية اي "الخروف الابيض"، والتي امتد حكمها للمنطقة بين (1453 – 1478م)، والعشيرتان كانتا على المذهب الشيعي الزيدي او الاثني عشري.

ويناقش السيد الصراف مسألة مجيئهم مع نادر شاه (1736 – 1747م)، الذي قضى على الدولة الصفوية، وهو تركماني الأصل مثل الصفويين، وهذا دليل على تغلغل الغلو في فارس وطغيانه على العامل القومي، وكانت نسبة كبيرة من جنوده شيعة تركماناً ومنهم عشيرة اسمها "شاه بكي"، ثم صار مختصرها "شبك".

ولذلك فهو يميل لكون أصولهم تركمانية شيعية – غلاة على الطريقة البكتاشية مع بقايا من الطريقة الصفوية.

فالتداخل الفارسي – التركماني في شمال ايران وأذربيجان على اشده بفعل الحركات الغالية.

ولهم كتاب مقدس اسمه "المناقب"، او "البويوروق"، مكتوب بلغة تركمانية وبالحرف العربي، شديدة الشبه بلغة الشبك الحالية، وقد اطلع عليه السيد الصراف ونقل اجزاءً منهم  الى كتابه سابق الذكر، بعد جهد جهيد لأنه لا يطلع عليه الا كبراؤهم وشيوخهم، ولم ينجح في مسعاه لولا اتصاله بالشيخ ابراهيم الذي سبق ذكره الذي يتمتع بمكانة خاصة بين قومه.

وبعض الشبك يقرون بأن اصولهم من ايران من غير ان يصرحوا بكونهم فرساً او تركماناً او كرداً، وأن اسمهم الاصلي "چبك"، فمسألة انحدارهم من ايران تكاد حتمية ولكن ليس بالضرورة ان يكونوا فرساً، فإيران فيها نسب كبيرة من التركمان والكرد والعرب والبلوش، وكانت الجيوش الغازية خليطاً من هذه القوميات مع غلبة العنصرين التركماني والفارسي.

وخلاصة المسألة ان اصولهم القومية قد ذابت في عقيدتهم الدينية الغالية ولان لغتهم لا تقدم حلاً حاسماً للمسألة، والتي ساهمت بتعقيد معرفة اصولهم القومية.

ومن مظاهر غلوهم انهم لا يصلون لأن علي (رض) قتل في الصلاة، ولا يصومون لأنه قتل في رمضان، ولا يزكون، بل يدفعون الخمس للرئيس الروحي للطائفة (البابا او البير)، ولا يحجون الى مكة ويقتصر حجهم على زيارة المراقد في كربلاء والنجف، ويشربون الخمر بكميات كبيرة، وهي كلها ممارسات بكتاشية.

والطريقة الصوفية البكتاشية اسسها الحاج بكتاش (ت738هـ)، المولود في نيسابور من اصول فارسية ثم انتشرت في غرب ايران وشرق الاناضول، وهي معاصرة للطريقة الصفوية (القزلباشية)، التي اسسها الشيخ صفي الدين الأردبيلي (ت735هـ)، في اردبيل ويدعي انه من سلالة آل البيت، والطريقتان لا غبار عليهما قبل ان تتسلل اليهما البدع والخرافات، حتى صار القزلباش اعمدة جيش اسماعيل الصفوي.

"والقزل" هو الاحمر بالتركية و "الباش" هو الرأس، وكانوا يرتدون على رؤوسهم طرابيش حمراء طويلة.

ومن مظاهر الغلو في هذه الطرق ان علياً تجسد في الله وان الله اظهر نفسه قبل علي في ناس آخرين مثل عيسى (ع)، وهم يتعبدون لمريم، وكذلك عندهم مسحة من التثليث فالله ومحمد وعلي في مرتبة واحدة، فالألف (أ) هي الله والـ(الميم) هي محمد والـ(العين) هي علي، وهي احرف مقدسة.

ومن مظاهر تأثرهم بالمسيحية ما يسمى بالعشاء الرباني السري، حيث يشربون النبيذ ويأكلون الخبز والجبن معه، وممارسة طقس الاعتراف عند الرئيس الروحي ليتلقون المغفرة.

لقد نمت الطريقتان في فارس المشبعة بالغلو ثم انحرفتا بإسم محبة آل البيت وهو ادعاء كاذب، فآل البيت يصومون ويصلون ويحجون ولا يشربون الخمر.

لقد استطاعت القوى الشيعية الحالية تصوير الشبك على انهم شيعة اثني عشرية لأسباب سياسية، ولو ان نسبة غير قليلة منهم تحولوا من الغلو الى المذهب الجعفري – الاثني عشري بعد تأسيس دولة العراق.

ويختلط مع الشبك عشيرة تسمى "الباجوان"، لهم نفس اللغة تقريباً ويسكنون شمال الموصل في قرى الفاضلية وخورسباد والسادة، وهم على مذهب اهل السنة ويجاهرون بحب آل البيت مراعاة للأغلبية، كذلك توجد عشيرة اسمها "الصارلية"، تشترك مع الشبك باللغة ولكنهم اكثر غلواً، حيث يبيعهم شيوخهم قطعاً في الجنة كلاً حسب مقدرته المالية ويسكنون جنوب الموصل بالقرب من قرية النمرود.

وعلى كل حال فإن لعبة استغلال الأقليات لأغراض سياسية هي لعبة قديمة في الشرق منذ ايام الاستعمار البريطاني والفرنسي والروسي، فهل سيكون الشبك ضحية لهذه اللعبة؟.

Reacties

Populaire posts van deze blog

قراءة في كتاب ٤٠ عاما مع صدام حسين لمؤلفه نديم احمد الياسين / بقلم / سلام الشماع

اصل تسمية بغداد

العرب الاقحاح وهستيريا نجاح الفارسي بقلم الدكتور فالح حسن شمخي